منْ حاكمٌ وخصوميَ الأقدارُ - مهيار الديلمي

منْ حاكمٌ وخصوميَ الأقدارُ
كثرُ العدوُّ وقلت الأنصارُ

أشجى من الدنيا بحبَّ مقلبٍ
و جهين عرفُ وفائه إنكارُ

سومَ الدعيَّ إذا تضرع رده
للؤم عرقُ الهجنة ِ النعارُ

و إذا وفى لمنايَ يومٌ حاضرٌ
فأجارَ أسلمني غدٌ غدارُ

أفصخرة ٌ يا دهرُ القلبُ أم
هو للهموم الساريات قرارُ

في كلَّ يومٍ للنوائبِ شلة ٌ
من جانبيَّ وللهمومِ غوارُ

و مصائبٌ متحكماتٌ ليس لي
معهنَّ في بيع النفوس خيارُ

تنحى فأحملها ثقالا مكرها
و كأنني بتجلدي مختارُ

جرحٌ على جرحٍ ولكن جائفٌ
ضلَّ الفتائلُ فيه والمسبارُ

فجرتْ عمائقهُ العروقَ وغادرتْ
قصبَ العظامِ وهنَّ مخٌّ زارُ

فاغمزْ قناتي يا زمانُ فإنه
ذاك المماكسُ طائحٌ خوارُ

كشفتْ لنبلكَ غامضاتُ مقاتلي
و ترفعتْ عن صفحتي الأستارُ

و أكلتُ لا خلفٌ يردُّ سلامتي
ذلاً ولا يحمي حمايَ جوارُ

ذهب الذي كانت تجاملني له الد
نيا وتسقط دونيَ الأخطارُ

و يردُّ فارسة َ الخطوبِ نواصلاُ
منى َّ مخالبهنَّ والأظفارُ

من يشتريني بالنفائس مغلياً
بعدَ الحسينِ ومنْ عليَّ يغارُ

و يظلني واليومُ أغبرُ مشمسٌ
أتجللُ النكباتِ وهي أوارُ

أم من يضمُّ بدائدَ الآمال لي
و يفلُّ عني باسمه الإقتارُ

و إذا اقشعرتْ أرضيَ استرختهُ
فإذا لجينٌ تربها ونضارُ

المخذمُ البتارُ أسقطَ من يدي
و الغيثُ أقلعَ عنيَ المدرارُ

و الصاحب انتزعتْ قوادمُ أسرتي
منهُ وهيضَ جناحها الطيارُ

فاليوم لا أبتِ الصغارَ ولا اعتزتْ
إلا عبيداً فارسُ الأحرارُ

و تطأطأتْ ذلاً فطالت ما اشتهتْ
شرفا عليها يعربٌ ونزارُ

كنا وإن كرمتْ نفاخرها به
فالآنَ ما بعدَ الحسين فخارُ

لا خفتُ بعدُ ولا رجوتُ وقد ثوى
في الترب منه النافعُ الضرارُ

سائلْ بهذا الذودِ يرغو بكرهُ
في الحيّ أين المقرمُ الهدارُ

و متى أخلَّ أبو الشبول بغيلهِ
فتناهقتْ من حوله الأعيارُ

يا مدرجا فردا تسدى فوقه
بالقاع أردية ُ الثرى وتنارُ

ملقى ً وراءَ نسية ٍ ومضلة ٍ
تخفى ضريحك والقبورُ تزارُ

أذللتَ قلبي للأسى وتركتني
أتبردُ الزفراتِ وهي حرارُ

و حطمتَ آمالي فهنّ ضعائفٌ
و قصرتَ من هممي فهنّ صغارُ

أنا من شفار القاتليك متى التقتْ
من مقلتيَّ مع الكرى الأشفارُ

أو قلتُ معتاضا بجارٍ مثله
جارٌ ولا بالدار بعدك دارُ

و متى صحبتُ العيشَ بعدك باردا
و الناسُ صاروا بي إلى ما صاروا

نبذوا عهودك آنفا وتقسموا
رمماً بحبل الخلف وهو مغارُ

ظنوا بفقدك أن يلموا شعثها
يا ربَّ نقضٍ جره الإمرارُ

و رجوا بهلكك أن يخلد ملكهم
فإذا سلامتهم بذاك بوارُ

فعلامَ لم تشكمْ وقد فغرتْ لهم
فلجاءُ ينكرنا بها الفرارُ

و تفجرتْ بالشرّ بعدك والأذى
جنباتها وتداعت الأقطارُ

حذروا السجالَ يخابطون قليبها
و الحبلُ واهٍ والجبا منهارُ

ودوا لو أنك حاضرٌ فكفيتها
لما تولى أمرها الأغمارُ

و رعى الندامة َ حيث لم يشبع بها
غاوٍ رماك وآخرون أشاروا

وليَّ يفرُّ ولم يعفها سبة ً
تسري وليس من الحمامِ فرارُ

سرعانَ ما استعروا بجمرة ِ بغيهم
و لربَّ باغٍ غره الأنصارُ

طرحوا الفراتَ إلى الفراتِ فمادرى
ملقوك أيهما له التيارُ

و تعاظموا أن يقبروك ومن رأى
ليثا يخطُّ له الثرى محفارُ

و أبي العلا ما كنتُ أعلم قبلها
أنّ البحورَ قبورهنَّ بحارُ

ذلاًّ لبيض الهند بعدك شدّ ما
غدرتْ ولا سلمَ القنا الخطارُ

ما كان أنكلهنَّ عنك لو أنه
عند السلاح حفيظة ٌ وذمارُ

قتلوك محصورا غريبا لا ترى
مولى يعزُّ ولا بجنبك جارُ

من خلفِ ضيقة ِ السماء بهيمة ٍ
ينزو بقلبك بابها الصرارُ

حفروا الزبى لك فارتديت وإنما
سلطانُ ليث الغابة الإصحارُ

هلا وفيك إلى وثوبٍ نهضة ٌ
و لديك منتفدٌ وعندك زارُ

و خطاك واسعة ُ المدى تحت الظبا
لا الخيطُ يحبسها ولا المسمارُ

أعززْ عليَّ بأن تصابَ غنيمة ً
في القدَّ يجمعُ ساعديك إسارُ

في حيث لا يروى على عاداته
بيديك نصلٌ حائمٌ وغرارُ

و بمصرعٍ لك لم تثابر دونه
فوق الأكفَّ صوارمٌ وشفارُ

و الخيل صاعة على أشطانها
قرحى تقامصُ خلفها الأمهارُ

بشياتها لم يختضبْ بدمٍ لها
عرفٌ ولم يبللْ عليك عذارُ

أو أن يكون الجوُّ بعدك ساكنا
و اليومُ أبيضُ ما عليه غبارُ

و وراء ثأرك غلمة ٌ لسيوفهم
في الروع من مهج العدا ما اختاروا

يتهافتون على المنون كأنهم
حرصاً فراٌش والمنية ُ نارُ

حلماءُ في الجليَّ فإن هم أغضبوا
طاشوا فحنت فيهم الأوتارُ

لو صحتَ تسمعهم وصوتك في الثرى
فحصوا عليك وفي السماء لطاروا

خذلوك مضطرين فيك وجمجموا
من بعد ما فصحت بك الأخبارُ

و تناذروا أن يندبوك قضية
فالحزنُ بينهمُ عليك سرارُ

إن يمسكوا فيضَ الدموع فربما
فاضت عيونٌ في الصدور غزارُ

أو يجلسوا نظرا ليوم تشاورٍ
فالريثُ أحزمُ ما أرابَ بدارُ

و لربما نام الطلوبُ بثأره
لغدٍ ولكن لا ينام الثارُ

و قد اشتفى بعد البسوس مهلهل
زمنا وما نسى َ الدمَ المرارُ

و على الطفوف دمٌ أطيلَ مطالهُ
حتى تقاضى دينه المختارُ

لا بدّ من يومٍ مريضٍ جوه
للخيلِ فيه بالرؤس عثارُ

متوردِ الطرفين يكفرُ شمسهُ
دجنٌ له علقُ الكماة ِ قطارُ

تصلاه باسمك آخذين بحقهم
عصبٌ لهم عبدُ الرحيم شعارُ

فهناك يعلم قاتلوك بأنه
ما عقّ من أبناؤه أبرارُ

و يرى عدوك والبقاءُ لغيره
أنّ البقاءَ وإن أطيلَ معارُ

و إن اشتفى وحلا بفيه غدرهُ
أنَّ اعتقابَ حلاويته مرارُ

و لقد يشاك المجتني بمكان ما
عجلتْ يداه ويلدغُ المشتارُ

و ليَّ شنعاء تذهبُ نفسهُ
فيها ويبقى لومها والعارُ

درستْ بك السنن الحميدة ُ واغتدى
نقدُ المكارم وهو منك ضمارُ

هل سائلٌ بك بعدها أو قائلٌ
هيهات لا خيرٌ ولا استخبارُ

حتى كأنك لم تقدْ ملمومة ً
يوميَ إليك أمامها ويشارُ

خرساءَ إلا ما تكلم صارمٌ
في قونسٍ أو طنَّ عنه فقارُ

تهفو عليك عقابها ويضمها
منشورة ً لفنائك التكرارُ

و كأنَّ رأيك لم يلحْ قبساً إذا
عميتْ عشايا الرأي والأسحارُ

و إذا خلاط الأمرِ سدَّ طريقه
فلديك واضحة ٌ له وقرارُ

و كأنّ بابك لم يكن لعفاته
حرما يجير ولا حمى يمتارُ

يأوى إليه المسنتون ويلتقي
بفنائه السفارُ والحضارُ

و تبيت تلغطُ من وصائلِ ناقة ٍ
عشراءَ عندك برمة ٌ أعشارُ

تصفى كرائمها الضيوفَ وتكتفي
فيما يليك بما انتقى الجزارُ

و كأنّ كفك لم تبنْ في ظهرها
قبلُ الملوكِ وتشهدُ الآثارُ

و يخفُّ بين بنانها إن حملتْ
ضبطُ الحسامِ ويثقلُ الدينارُ

بالكره منك وبالمساءة روحت
لسوى العقور على البيوت عشارُ

و تراجعتْ وخدودها ملطومة ٌ
بزلٌ لقصدك وجهتْ وبكارُ

و غفلتَ لم تسأل ولستَ بغافلٍ
أنيَّ تنكب بابك الزوارُ

و تسلبتْ من فارسٍ أو راكبٍ
تلك السروجُ إليك والأكوارُ

و متى أرمَّ المادحون وأكسدتْ
من بعد ما نفقتْ بك الأشعارُ

أو أن أقولَ فلا تصيخ لقولتي
لو كنتَ متروكا وما تختارُ

و ترى الزمانَ يضيمني فيفوتني
من راحتيك حمية ٌ وغيارُ

قد كنتَ حصنا من ورايَ وكان لي
بك من أمامي جنة ٌ وصدارُ

أيامَ شيبي تحت ظلك نضرة ٌ
و صباً وليلي في ذراك نهارُ

و عليَّ من نعمى يديك طلاوة ٌ
أمشى وتتبعني لها الأبصارُ

قد كنتُ أحسبُ أن بأسك هضبة ٌ
لا يستطيع رقيها المقدارُ

و أقولُ أن لسقف بيتك في العلا
عمداً حبالُ الموت عنه قصارُ

و إخالُ جودك نثلة ً دون الردى
حصداءَ تمنع فرجها الأزرارُ

فإذا الشجاعة ُ والسماحة ُ متجرٌ
تزكو به الأعمالُ والأعمارُ

غدرا من الأيام تفتقُ شمسها
و الأرضِ تورقُ فوقها الأشجارُ

و مذلة في السحبِ وهي صواحب
ليديك تنزل بعدك الأمطارُ

كم قد تعللتِ المنى بك تارة ً
أمنٌ وطورا خيفة ٌ وحذارُ

و تخالفتْ فيك الرواة ُ فسرني
و تلونت بحديثك الأخبارُ

و لقد ظننتُ بها وراءَ لثامها
خيراً فكشفَ قبحها الإسفارُ

إن تفتقل عيني مثالك في العلا
فبنوك من عين العلا آثارُ

سدوا مكانك والشموسُ إذا هوتْ
ملأت مطارحَ نورها الأقمارُ

طبْ في الثرى نفساً فكلٌّ منهمُ
ثمَّ اقتراحك فيه والإيثارُ

هم أنفسا تدوى عداك وألسنا
من جمرتيك سلائطٌ وشرارُ

كانوا السراة َ وقد عدمتَ وبعضهم
لأبيه إن طرقَ الحمامُ عوارُ

متلاحقين إلى العلاء كأنهم
مجرونَ يجمعُ بينهم مضمارُ

الوفدُ وفدك طائفٌ بيوتهم
و الحاملُ العبقاتِ والسمارُ

تتلى عليهم فيك كلُّ فضيلة ٍ
للميتِ فيها النشرُ والتذكارُ

أيدٍ طبعنَ على السماح وأوجهٌ
في عتقها من دوحتيك نجارُ

هم ما همُ ويزينُ مجدَ أبيهمُ
خالٌ لزندِ المجدِ منه سوارُ

ما غبتَ عنهم وهو شاهدُ أمرهم
لك منه فيهم كافلٌ وطوارُ

فليبقَ وليبقوا له ما طبق ال
آفاق طيبُ ثائك السيارُ

و إذا العزاءُ أتى فذلَّ لهم به
فيك العزيزُ وأسهلَ المعسارُ

و لقد أسليهم وفي عظتي لهم
جزعٌ ورجع كلاميَ استعبارُ

ساهمتهم عبءَ المصابِ وكلنا
تحت التجمل حاملٌ صبارُ

لا تبعدنّ بلى فقد فات البلى
بك أن يظنَّ تقاربٌ ومزارُ

و سقاك إن عطش القليبُ وماؤه
متبجسٌ وقرارهُ خرارُ

متهدلُ الأطرافِ يمسحُ بالثرى
مما تراكمَ ذيلهُ الجرارُ

صخبُ الرعودِ تهيجُ في جنباتهِ
للعاصفاتِ جراجرٌ وخوارُ

فجرى يجللُ بالحيا حيطانهُ
حتى الجداولُ تحتها أنهارُ

يسقى بأعذب ما سقى حيث التقتْ
فلقُ الصفيحِ عليكَ والأحجارُ

حتى يظنَّ ثراك نشوانا به
دارت عليه من السحابِ عقارُ

و يضوعَ منك بطيبِ ما في ضمنه
فكأنّ ضارجَ تربه عطارُ

و نزلتَ حيث تحطُّ أملاكُ العلا
شوقا إليك وترفعُ الأوزارُ