وجهٌ يسـعى - محمد بنيس

وإنّي لأخبرُك عنّي
ألفتُ في صباي ألفة المحبّة
جاريةً نشأت في دارنا
كانت غاية في حسن الوجه
والعقل والعفاف
كانت قليلة الكلام
دائمة القطوب
تزدانُ في المنع والبُخل
وكان للعود بين أصابعها
عطرٌ
وظلالٌ
وعريٌ خفيّ
سعيتُ وسعيتُ
أن تجيبني بكلمةً لي وحدي
وسعيت
ثمّ التفت النّســاء في مقصورةٍ
في دارنا مشرفة على بُستان
يشرف على بيوت قرطبة
في فاس كانت المقصورة مفتّحة الأبواب
كنتُ أدافع عن والنّســاء كُنّ من الشّـــراجيب
العتمات المؤدّية ينظُرّن
إلى قوّة أن أراك كُنتُ أنا بينهنّ
كُنتُ أذكُرُ أنّي كنتُ أقصدُ الباب الذي
أوزّع الصّباح هي فيه اقتراباً منها
والصّباح بمجرّد أن تراني في جوارها
والبردُ وحده تترك ذلك الباب وتقصد غيرهُ
يُذكّرني بأصابعي في لُطف
وأتعمّد القصد ثانية إلى الباب
الذي صارت إليه فتخفّ إلى
غيـــره
وأنا من باب إلى باب
وعندما أمرتها سيّدتها أخذت
العودَ وغنّت لنا معاً
أو لي وحدي
إنّي طربت إلى شمس إذا غربت
كانت مغاربها جوف المقاصير
ليست من الإنس إلاّ في مناسبة
ولا من الجنّ إلاّ في التّصاوير
فالوجه جوهرة والجسم عبهرة
والرّيح عنبرةٌ والكلّ من نــور
لم يكن المضراب يقعُ إلاّ على
أنفاسي
ثم شغلتني النّكبات في عهد
هشام
وكان الاعتقال
وكانت الفتنة
وأنا من باب إلى باب
حتّى كانت جنازة بعض أهلنا
فرأيت عشيقتي
وارتفع الصّراخُ كان صراخي
وما كنت نسيتُ
اتّقدت أعضائي
نارٌ
تهجّج نارها
ولوعةٌ
تنادي على اللّوعة