من أغضبَ البحر؟ - نبيلة الخطيب

ارفع جبينك لا أحبك مطرقا
واجعل من الآلام أسما مرتقى

إن كانت الأجسادُ فرّقها النوى
في كل حينٍ للخواطر مُلتقى

أوَلستَ تدري أن حبك آسرٌ
ولئن أسرتَ فلا إخالك مطلِقا

لله درك من يزورُك مرةً
يبقَ الحنينُ يحثه نحو اللقا

لله درك من سخيٍّ مُنعِمٍ
تروي، وهل يروي الأجاجُ من استقى

ومنازلُ الإلهام فيك فسيحةٌ
والشِعر إذ أعليتَ منبرَه ارتقى

ما كنتُ أنسى عندما لاقيتني
وضممتني والشوق فينا أونقا

وتناغمت أنغامُ قلبينا معاً
وانساب دمعٌ في العيون ترقرقا

ألقيتَ بردتك السماءَ على المَدى
وزففتني شمساً له فتألقا

وأشرت للشمس اغربي فتوشّحتْ
حتى بدت صحناً هوى فتشققا

ودعوتَ هبّات النسيم فأقبلتْ
وطلبتَ بعضاً من شذىً فتدفقا

وأمرتَ نجم الليل يحرس جمعَنا
فاستلّ أشهُبَه وبات محدّقا

ونوارسُ الشطآن حين تجاورتْ
بعضٌ رنا والبعض باح وزقزقا

أحديث نفسٍ قد أثارك يومَها؟
والموجُ أزبد غاضباً وتعرّقا

والصدر أمسى صاخباً متلاطماً
والجوف أضرم غيرةً فتحرّقا

يا بحر روّعنا اصطخابُكَ وقتها
وانفضّ مجلسنا له وتفرّقا

هدّأتُ روعَك إذ سألتك عندها
أوَلست من بين الأنام المنتقى؟

ماذا يضير البدرَ إن حاطت به
كل النجوم وبالكواكب طُوّقا؟

هُم صحبة لما نزلنا بينهم
معروفهم شدّ النفوس وأوثقا

رفقاً بهم يا بحر ما خانوا وما
غامتْ نوايا في السرائر مطلَقا

يا سيد العشاق إن هي زلةٌ
خذني بهم أو جُدْ بعفوك معتِقا

فتهللت قسماتُ وجهك صافحاً
وكأن نور الفجر فينا أشرقا

فارفع جبينك ليس مثلك ينحني
ولأنت أحرى أن تَصُد فتُعشقا.

العقبة 1996