وحدة الشاعر - عبدالله البردوني

حلم الآتي و ذكرى الغابر
مسرح الشعر و دنيا الشاعر

ذكريات الأمس تغريه كما
يفتن المهجور طيف الهاجر

و الغد المأمول في أشواقه
صورة من كلّ حسن باهر

صورة كالوعد من أحلى فم
كابتسامات اللّقاء العاصر

و كعيني طفلة ترنو إلى
مقلتي طفل كسول الناظر

***

عالم الشاعر ذكرى و منى
و حنين كالجحيم الهادر

يقطف الأحلام و الذكرى كما
يقطف العنقود كفّ العاصر

أيّ ذكر ؟ أيّ شوق عادني
فإذا قلبي جناحا طائر

و إذا الدنيا بكفّي معزف
ساحر في كفّ شاد ماهر

تارة أشدو و أصغي تارة
لروايات الزمان الساخر

فيقصّ الدهر من دنيا أبي
ذكرا تخجل وجه الذاكر

و أنا أحمل ذكراه ... كما
يحمل المظلوم سوط الجائر

و أغنّي عزّ أجدادي الأولى
فخروا بالعجز فخر لاقادر

و من الأجداد ؟ ما شرعتهم ؟
شرعة الوحش الغبيّ الكاسر

و مخازيهم تراث خالد
ورثوه كابرا عن كابر

كيف أنسى الأمس و اليوم ابنه
و الغد الآتي وليد الحاضر !

و أنا ابن الشعر قلبي عالم
من حنين و حنان غامر

ترتمي الأدهار حولي مثلما
يرتمي موج العباب المآثر

والدنا في عزلتي هائمة
كهوى " ليلى " و طيف " العامري "

وحدتي صمت يغني ورؤى من
عصا " موسى " و عجل " السامري "

من شذوذ الطفل من زهو الفتى
من أسى الشيخ الفقير العاثر

من خيالات الشياطين و من
حكمة الرسل ودجل الساحر

من ضراعات المساكين و من
خيلاء المستبد القاهر

من هوى التاجر في الربح و من
شبح الإفلاس حول التاجر

من شكاوى عاشق يمشي على
قلبه نحو الحبيب ... نافر

وحدتي وحي و دنيا من هدى
و ضلال ويقين حائر

و حنان وانتظار خائف
ورجاء كابتسام الغادر

وهوى يضحك للطيف كما
يضحك الروض لعين الزائر

وحدتي أرجوحة من فكر
دائرات كالشروق الدائر

و بنات الفنّ حولي زمر
كرياحين الربيع الزاهر

و أنا كالراغب المحروم في
موكب الغيد المثير السافر

أشتهي تلك فتدنو أختها
من يديّ كالأبيّ الصاغر

حلوة تدنو و تخفى حلوة
كالسنى خلف الظلام العاكر

هذه تعطي و لا أسألها
و أناجي تلك نجوى الخاسر

و لعوب أجتدي نفحتها
و هي تأبى خاطري

و عدها يبعث ذكرى " حاتم "
ووفاها صورة من " مادر "

كم تناديني فتغري لوعتي
و تولّى كالحبيب ... الماكر

و الدجى مقبرة تغفو على
حلم النعش و نوح القابر

قلق الصمت كرؤيا مومس
هجعت بين ذراعي فاجر

كأماني ظالم يرنو إلى
مقلتيه شبح من ثائر

خائف يسري و في أعطافه
صلف الطاغي وتيه الكافر

و تضيع الشهب في موكبه
كخيالات المريض الساهر

ودخان الحقد في أهدابه
كالخطايا فوق عرض عاهر

يخطر الشيطان فيه و على
شفتيه قهقهات الظافر

و خفوق الصمت ينبي أنّ في
سرّه ضوضاء زحف طافر

و الرؤى تشتفّ من خلف الربى
مطلع اليوم الهتوف الزاخر

و تبثّ الغيب شكوى توبة
تتشهّى بسمة من غافر

و أنا وحدي أناغي هاتفا
من فم الوحي الشذيّ الطاهر

و هدوء الكوخ يستفسرني
هل أغنّي للفراغ السادر ؟

قلت إنّي شاعر ، في وحدتي
ألف دنيا من طيوف الشاعر