الشهيدة - عبدالله البردوني

كرجوع السنى لعيني كفيف
بغتة كاخضرار نعش جفيف

وكما مدّت الحياة يديها
لغريق ، على المنيّة موفي

وكما ينثني إلى خفق شيخ
عنفوان الصّبا الطليق الخفيف

رجعت فجأة رجوع وحيد
بد شك إلى أبيه اللهيف

كابدت دربها الى العودة الجذلى
وأدمت شوط الصراع الشريف

حدّقت من ترى ومن ذا تنادي ؟
أين تمضي : إلى الفراغ المخيف؟

وأرتها خوالج الذعر وجها
بربريّا ، كباب سجن كثيف

وجذوعا ، لها وجوه ، وأذقان
وإطراقة الحمار العليف

فتنادت فيها الظنون وأصغت
لحفيف الصّدى ووهم الحفيف

وكما يرتمي على قلق السّمع
هدوء بعد الضجيج العنيف

سرّحت لمحة ، فطالعها شيء
كأيماءة السراج الضعيف

كان بعطي حياته للحيارى
وعلى وجهه اعتذار الأسيف

فأحسّت هناك حيّا مهيضا
يتلوّى تحت الشتاء الشفيف

قرى ، بعن عمرهن على أدنى
الخصومات والهراء السخيف

واشرأبت ثقوبهن الى الريح
يسائلن : عن شميم الرغيف

فدنت تنظر الحياة عليهنّ
بقايا من الغثاء الطفيف

والدوالي هناك أشلاء قتلى
جمدت حولها ، بقايا النزيف

وتجلّت أما تجعّد فيها
عرق الصيف وارتعاش الخريف

سألتها عن اسمها فتبدّى
من أخاديدها حنان الأليف

واستدارت تقص : إن أباها
من (زبيد) وامهّا من (ثقيف)

فأعادت لها الربيع فماست
في شبابين تالد وطريف

نزلت ضيفة الحنان فكانت
لديار الضياع ، أسخى مضيف

نزلت في مواكب من شروق
وحشود من اخضرار الرّفيف

في إطار من انتظار العصافير
ومن لهفة الصباح الكفيف

وتهادت على الرّبى فتلظّى
في عروق الثلوج ،دفء الصيف

وأجادت من الفراغ وجودها
وجبالها ، من الشموخ المنيف

رجعت فانثنى اصفرار التوابيت
الى خضرة الشباب الوريف