صراع الأشباح - عبدالله البردوني
وحدي و مقبرة جواري
                                                                            و الوهم و الأشباح داري
                                                                    و الأفق بشرق بالدجى
                                                                            و يلوك حشرجة الدراري
                                                                    و الريح تزحف كالجنائز
                                                                            في حشود من غبار
                                                                    و النجم محمرّ الشعا
                                                                            ع كأنّه أحلام ثار
                                                                    و كأنّ عينيه تشهّي جاره
                                                                            و حنين جار
                                                                    و أنا أتيه ... كنجمة
                                                                            حيرى ، تفتّش عن مدار
                                                                    و كأنّني طيف " الفرزدق "
                                                                            يجتدي ذكرى " نوار "
                                                                    و أرود منزل غادة
                                                                            كالصيف عاطرة المزار
                                                                    و كأنّني أمشي على حرقي ؛
                                                                            و أشلاء اصطباري
                                                                    و دنوت منها فانتشت
                                                                            شفتاي ؛ واخضرّ افتراري
                                                                    ورنت إليّ فتمتمت
                                                                            ودنت ؛ و غابت : في التّواري
                                                                    و أردت عذرا فانطوى
                                                                            في خاطري الخجل اعتذاري
                                                                    وهمست : أين فمي ؟ و ناري في دمي تقتات ناري
                                                                    ورجعت أحمل في الحشا
                                                                            حرقا ... كحيّات القفار
                                                                    و أحاور الحسناء في صمتي
                                                                            فيدنيها حواري
                                                                    فأظنّها حولي رحيقا
                                                                            في كؤوس من نضار
                                                                    تبدو و تخفى كالطيوف ؛ و تستقرّ بلا قرار
                                                                    و تكاد تقلع ثوبها
                                                                            حينا و ترمي بالخمار
                                                                    و أكاد أحضن ظلّلها
                                                                            جسدا من الرّغبات عاري
                                                                    و طفقت أزرع من رما
                                                                            ل الوهم كرما في الصحاري
                                                                    فدوت حيالي ضجّة
                                                                            غضبى كدمدمة انفجار
                                                                    و سعت إليّ غابة
                                                                            تومي بأشداق الضواري
                                                                    و عصابة برّاقة الألوان ، دامية الشّفار
                                                                    تمشي فيحترق الحصا
                                                                            و الريح تقذف بالشرار
                                                                    و أحاطها ومض البروق ؛ فسجّلت أخزى اندحار
                                                                    ***
                                                                    و اللّيل يبتلع السّنى
                                                                            و الخوف يرتجل الطواري
                                                                    فتصارع الأشباح أشباحا
                                                                            على شرّ انتصار
                                                                    و هنا استجرت بساحر
                                                                            بادي التقى نتن الإزار
                                                                    يهذي و يقتاد النزيل
                                                                            إلى لصيقات العثار
                                                                    و يبيع ساعات الفجور
                                                                            لكلّ بائعة و شاري
                                                                    لصّ يتاجر بالخنا
                                                                            و يزينه كذب الوقار
                                                                    و يكاد ينفر بعضه
                                                                            من بعضه أشقى نفار
                                                                    و يثور إن ناوأته
                                                                            في الإثم كالنمر المثار
                                                                    و بلا انتظار كشّرت
                                                                            في وجهه ( ذات السوار )
                                                                    فاهتاج و ابتدر العصا
                                                                            ودوت كعاصفة الدمار
                                                                    فانقضّ كالثور الذّبيح ؛ يخور ، يخنق بالخوار
                                                                    و رمت به للموت يكنسه إلى دار البوار
                                                                    و تهافت الجيران فاتّقد الشّجار على الشجار
                                                                    فشردت عنه كطائر
                                                                            ظمآن طار من الإسار
                                                                    و الريح تبصقي و تروي للشّياطين احتقاري
                                                                    ***
                                                                    و كأنّ أنهار تناديني
                                                                            و تنصب في المجاري
                                                                    مأعبّ من عفن الرؤى
                                                                            و حلا ووهما من عقار
                                                                    و أفرّ من نفسي إلى نفسي
                                                                            و أهرب من فراري
                                                                    أهوى على ظلّي كما
                                                                            يهوى الجدار على الجدار
                                                                    و أسائل الأحلام عن
                                                                            دنيا ترقّ على انكساري
                                                                    ***
                                                                    لا تسكتي : لم أنتحر
                                                                            إنّي أقلّ من انتحاري
                                                                    أنا من بحثت عن الردى
                                                                            في كلّ رابية و غار
                                                                    و نسيت مأتم زوجتي
                                                                            و أبي وحشرجة احتضاري
                                                                    ***
                                                                    هل خلف آفاق المنى
                                                                            دنيا أجلّ من انتظاري ؟ !
                                                                    خضراء طاهرة الجنى
                                                                            و الرّي ، دانيه الثمار
                                                                    و مواسم تندى و تولم للغراب ، و للهزار .
                                                                    للقبّرات و للصقور ؛ و للعصافير الصغار
                                                                    إنّي كبرت عن الهوى
                                                                            و الزيف و الحبّ التجاري
                                                                    و بصقت دنيا جيفه
                                                                            تؤذي و تغري بالشّعار
                                                                    و تصوغ من قذر الخطا
                                                                            يا السود رايات الفخار
                                                                    و مللت تيها ميّت الألوان ؛ مكروه الإطار
                                                                    و سئمت أشباحا أدا
                                                                            ريها ، و أشتمّ من أداري
                                                                    و لعنت وجهي المستعا
                                                                            ر و كلّ وجه مستعار
                                                                    و هفت إليّ نسيمة
                                                                            جذلى كآمال العذاري
                                                                    كتبسمّ الأفراح في
                                                                            مقل الصبيّات الغرار
                                                                    ***
                                                                    و تثاءب الفجر الجريح كمن يفيق من الخمار
                                                                    وانشقّ أفق الغيب عن
                                                                            عهد المروءات الكبار
                                                                    و كأنّ دنيا أشرقت
                                                                            كالحور من خلف السّتار
                                                                    تلقي المحبّة عن يميني و البراءة عن يساري
                                                                    و سرت حكايات المدينة كالخيالات السواري
                                                                    ووجدتني أنهار وحدي و استفقت على انهياري
                                                                    و نهضت و الدنيا كما
                                                                            كانت تفاخر بالصغار
                                                                    و تهاوت الدنيا
                                                                            خلق افتناني و ابتكاري
                                                                    فوددت لو ألقى كذاب اللّيل ؛ صدقا في النهار .