زحف العروبة - عبدالله البردوني

لبّيك وازدحمت على الأبواب
صبوات أعياد و عرس تصابي

لبّيك يابن العرب أبدع دربنا
فتن الجمال المسكر الخلّاب

فتبرّجت فيه المباهج مثلما
تتبرّج الغادات للعزّاب

واخضرّت الأشواق فيه و المنى
كالزهر حول الجدول المنساب

و مضى به زحف العروبة و الدنى
ترنو ، و تهتف عاد فجر شبابي

إنّا زرعناه منى و جماجما
فنما و أخصب أجود الإخصاب

و يحدّق التاريخ فيه كأنّه
يتلو البطولة من سطور كتاب

***

عاد التقاء العرب فاهتف يا أخي
للفجر ، وارقص حول شدو ربابي

و اشرب كؤوسك واسقني نخب اللّقا
واسكب بقايا الدنّ في أكوابي

هذي الهتافات السكارى و المنى
حولي تناديني إلى الأنخاب

خلفي و قدّامي هتاف مواكب
و هوى يزغرد في شفاه كعاب

و الزهر يهمس في الرياض كأنّه
أشعار حبّ في أرقّ عتاب

و الجوّ من حولي يرنحه الصدى
فيهيم كالمسحورة المطراب

و الريح ألحان تهازج سيرنا
و الشهب أكواب من الأطياف

إنّا توحّدنا هوى و مصائرا
و تلاقت الأحباب بالأحباب

أترى ديار العرب كيف تضافرت
فكأنّ " صنعا " في " دمشق " روابي

و كأنّ " مصر " و " سوريّا " في مأرب "
علم و في " صنعا " أعزّ قباب

لاقى الشقيق شقيقه ، فاسألهما
كيف التلاقي بعد طول غياب ؟

***

اليوم ألقى في " دمشق " بني أبي
و أبثّ أهلي في الكنانة ما بي

و أبثّ أجدادي بني غسّان في
ربوات " جلّق " محنتي و عذابي

و أهيم و الأنسام تنشر ذكرهم
حولي فتنضح بالعطور ثيابي

و أهزّ في ترب " المعرّة " شاعرا
مثلي : توحّد خطبة و مصابي

و أعود أسأل " جلّقا " عن عهدها
" بأميّة " و بفتحتها الغلّاب

صور من الماضي تهامس خاطري
كتهامس العشّاق بالأهداب

***

دعني أغرّد فالعروبة روضتي
ورحاب موطنها الكبير رحابي

" فدمشق " بستاني " و مصر " جداولي
و شعاب " مكّة " مسرحي و شعابي

و سماء " لبنان " سماي وموردي
" بردى " و دجلة و الفرات شرابي

رديار " عمّان " دياري ... أهلها
أهلي و أصحاب العراق صحابي

بل إخوتي و دم " الرشيد " يفور في
أعصابهم و يضجّ في أعصابي

***

شعب العراق و إن أطال سكوته
فسكوته الإنذار للإرهاب

سل عنه سل عبد الإله و فيصلا
يبلغك صرعهما أتمّ جواب

لن يخفض الهامات للطاغي و لم
تخضع رؤوس القوم للأذناب

وطن العروبة موطني أعياده
عيدي ، و شكوى إخوتي أوصابي

فاترك جناحي حيث يهوى يحتضن
جوّ العروبة جيئتي و ذهابي

يا ابن العروبة شدّ في كفّي يدا
ننفض غبار الذلّ و الأتعاب

فهنا هنا اليمن الخصيب مقابر
ودم مباح واحتشاد ذئاب

ذكّره بالماضي عسى يبني على
أضوائه مجدا أعزّ جناب

ذكّره بالتاريخ واذكر أنّه
شعب الحضارة مشرق الأحساب

صنع الحضارة و العوالم نوّم
و الدهر طفل في مهود تراب

و مشى على قمم الدهور إلى العلا
و بني الصروح على ربى الأحقاب

و هدى السبيل إلى الحضارة و الدنى
في التيه لم تحلم بلمح شهاب

فمتى يفيق على الشروق و يومه
يبدو و يخفي كالشعاع الخابي

***

يا شعب مزّق كلّ طاغ وانتزع
عن ساقيك مهابة الأرباب

واحذر رجالا كالوحوش كسوتهم
خلعا من " الأجواخ " و الألقاب

خنقوا البلاد وجورهم و عتوّهم
كلّ الصواب و فصل كلّ خطاب

لم يحسبوا للشعب لكن عنده
للعابثين به أشدّ حساب

صمت الشعوب على الطغاة و عنفهم
صمت الصواعق في بطون سحاب

فاحذر رجالا كالوحوش همومهم
سلب الحمى والفخر بالأسلاب

شهدوا تقدّمك السريع فأسرعوا
يتراجعون به على الأعقاب

لم يحسنوا صدقا و لا كذبا سوى
حيل الغبيّ و خدعة المتغابي

***

قل للإمام : و إن تحفّز سيفه
أعوانك الأخيار شرّ ذئاب

يومون عندك بالسجود و عندنا
يومون بالأظفار و الأنياب

هم في كراسيهم قياصرة وهم
عند الأمير عجائز المحراب

يتملّقون و يبلغون إلى العلا
بخداعهم و بأخبث الأسباب

من كلّ معسول النفاق كأنّه
حسنا تتاجر في الهوى و ترابي

و غدا سيحترقون في وهج السنى
و كأنّهم كانوا خداع سراب

و تفيق "صنعاء " الجديد على الهدى
و الوحدة الكبرى على الأبواب