بعد الضياع - عبدالله البردوني
إلى من أسير ؟ أهاض المسير
قواي و أدمى جناحي الكسير
ةو كيف المسير و دربي طويل
طويل وجهدي قصير قصير ؟ !
فكنت كفرخ أضاع الجناح
و تدعوه أشواقه أن يطير
و لي أمنيات كزهر القبور
يموت و يرعشه الزمهرير
أجرّ خطاي فأخشى العثار
و تجتاحني رغبة كالسعير
فحينا أهبّ كطفل لعوب
و حينا أدبّ كشيخ حسير
و آونة أرتمي في الجراح
كما يرتمي في القيود الأسير
و تدفعني وحشة الذكريات
و تثني خطاي طيوف المصير
***
أمامي غيوب و سرّ رهيب
و خلفي عذاب و ماض مرير
إلى أين أمضي و هل أنثني ؟
أمامي خطير و خلفي خطير
هنا هزّني من وراء المنى
نداء كضحك الصبيّ الغرير
كخفق الأماني كنجوى غدير
شذى الصدى زنبقيّ الخرير
فجئت إليك كمن يلتجي
إلى واجه من جحيم الهجير
ورفّ عليّ هواك الحنون
رفيف الربيع الشذيّ الخضير
فلا تسألي من هداني إليك ؟
هداني إليك صباك النضير
أتخفين عنّي و حولي شذاك
يوشّي الدروب و يغشى الأثير
فأقبلت في الطيب أمشي إليك
على ألف أغنية من عبير
و لمّا التقينا احتضنّا الهوى
كما يحضن الفجر صدر الغدير
و غنّاك حبّي فلاقى لديك
صدى ناعما مترفا كالحرير
و ناديت فيك هوى أوّلا
و ناديت فيّ الحبيب الأخير
***
و سرنا جميعا يدا في يد
نغنّي كثيرا و نبكي كثير
و طاب لنا منزل واحد
صغير كعشّ الهزار الصغير
و لم تسأليني : أعندي سرير ؟
لأنّ المحبّة أحنى سرير
و هل لي سرير أنا شاعر
شعوري غنيّ وجيبي فقير ؟
و حسبي أنا من عطايا الوجود
شعور غنيّ و فكر منير
إذا كان همّي شراب وقوت
فما الفرق بيني و بين الحمير
خلقت حنونا لكلّ الأنام
بأرجاء قلبي قرار قرير
أعزّي الفقير و أرثي الغنيّ
على عجزه و أهنّي القدير
أعزّي الجميع و أهوى الجميع
و محتقر الناس أدنى حقير
و أستلهم الدمع و الأغنيات
و نوح النعيّ و صوت البشير
***
أنا شاعر يا " ابن العمّ " لي
من الحبّ نبع شهيّ غزير
و شعر رقيق كحلم الصباح
على مقل الياسمين المطير
فحسبي و حسبك ديوان شعر
و بيت صغير و حبّ كبير
وكأس من الشوق و الذكريات
و أغنية من شذاك المثير
إذا قرّت النفس لذّ المقام
و ساوى التراب الفراش الوثير
فقد يتعس الجدب كوخ المقل
و تشقي الرفاهة قصر الأمير
يضيق الفقير و يشقى الغنيّ
فلا ذاك بدع و لا ذا نكير
فذا يشتهي لم يجد بلغة
و هذا يعاف الغذاء الوفير
و يخفي وراء الطلاء الأنيق
صدوع الحنايا و خزي الضمير
فومض السعادة من حوله
كومض الأشعّة حول الضرير
فكم مترف مبتلى بالألوف
و كم كادح هانيء باليسير
***
لنا يا " ابنه العمّ " من حبّنا
حنان يغنّي و عيش غضير
و فنّ يضمّ هوانا ... كما
يضمّ السميرة أشهى سمير
و يحتضن الحبّ و الأمنيات
كما تحضن الكأس كفّ المدير
إليك انتهت رحلتي في الضيا
ع فأنسيتني هولها المستطير
فلقياك كالظلّ بعد الهجير
و كالنصر بعد الجهاد العسير