لقيتها - عبدالله البردوني
أين اختفت من أيّ أفق سامي ؟
أين اختفت عنّي و عن تهيامي ؟
عبثا أناديها و هل ضيّعتها
في اللّيل أم في زحمة الأيّام ؟
أم في رحاب الجوّ ضاعت ؟ لا : فكم
بثّيت أنسام الأصيل غرامي
ووقفت أسأله و قلبي في يدي
يرنو إلى شفق الغروب الدامي
و أجابني صمت الأصيل ,,, و كلّما
أقنعت وجدي ... زاد حرّ ضرامي
***
و إذا ذكرت لقاءها ورحيقها
لاقيت في الذكرى خيال الجام
و ظمئت حتّى كدت أجرع غلّتي
و أضجّ في الآلام أين حمامي
و غرقت في الأوهام أنشد سلوة
و نسجت فردوسا من الأوهام
***
و أفقت من وهمي أهيم ... وراءها
عبثا و أحلم أنّها قدّامي
و أظنّها خلفي فأرجع خطوة
خلفي ... فتنشرها الظنون أمامي
و أكاد ألمسها فيبعد ظلّها
عنّي ... و تدني ظلّها أحلامي
و أعود أنصت للسكينة و الربى
و حكاية الأشجار و الأنسام
و أحسّها في كلّ شيء صائت
و أحسّها في كلّ حيّ ... نامي
في رقّو الأزهار في همس الشذى
في تمتمات الجدول ... المترامي
***
فتّشت عنها اللّيل و هو متيّم
ألكأس في شفتيه و هو الظامي
و الغيم يخطر كالجنائز و الدجى
فوق الربى كمشانق الإعدام
و سألت عنها الصمت و هو قصيدة
منثورة تومي إلى النظام
ووقفت و الأشواق ترهف مسمعا
بين الظنون كمسمع النمّام
و النجم كأس عسجديّ ... ملؤه
خمر تحنّ إلى فم " الخيّام "
و همست أين كؤوس إلهامي و في
شفتيّ أكواب من الإلهام
***
و الريح تخبط في السهول كأنّها
حيرى تلوذ بهدأة الآكام
و كأنّ موكبها ... قطيع ضائع
بين الذئاب يصيح : أين الحامي ؟
و تلاحقت قطع الظلام كأنّها
في الجوّ قافلة من الإجرام
و تلفّت الساري إلى الساري كما
يتلفّت الأعمى إلى المتعامي
و أنا أهيم وراءها يجتاحني
شوق وتقتاد الظنون زمامي
و سألت ما حولي و فتّشت الرؤى
و غمست في جيب الظلام هيامي
فتّشت عنها لم أجدها في الدنا
ورجعت و الحمّى تلوك عظامي
***
و أهجت آلامي و حبّي فالتظت
و لقيتها في الحبّ و الآلام
و تهيّأت لي في التلاقي مثلما
تتهيّأ الحسناء للرسّام
و تبرّجت لي كالطفولة غضّة
كفم الصباح المترف البسّام
و جميلة فوق الجمال ووصفه
و عظيمة أسمى من الإعظام
تسمو كأجنحة الشعاع كأنّها
في الأفق أرواح بلا أجسام
لا : لا تقل لي : سمّها فجمالها
فوق الكناية فوق كلّ أسامي
إنّي أعيش لها و فيها إنّها
حبّي وسرّ بدايتي و ختامي
و أحب!ها روحا نقيّا كالسنى
و أحبّها جسما من الآثام
و أحبّها نورا و حيرة ملحد
و أحبّها صحوا و كأس مدام
و أريدها غضبي و إنسانيّة
و شذود طفل واتّزان عصامي
***
دعني أغرّد باسمها ما دام في
قدحي ثمالات من الأنغام
فتّشت عنها و هي أدنى من منى
قلبي : و من شوقي و حرّ أوامي
و لقيتها يا شوق أين لقيتها ؟
عندي هنا في الحبّ و الآلام