الخضر المغمور - عبدالله البردوني
لكي يستهلّ الصبح . من آخر السّرى
                                                                            يحن إلى الأسى ، ويعمى لكي يرى
                                                                    لكي لا يفيق الميتون ، ليظفروا
                                                                            بموت جديد .. يبدع الصحو أغبرا
                                                                    لكي ينبت الأشجار … يمتد تربة
                                                                            لكي يصبح الأشجار والخصب والثرى
                                                                    لكي يستهلّ المستحيل كتابه…
                                                                            يمدّ له عينيه ، حبرا ودفترا
                                                                    ***
                                                                    لأنّ به كالنهر أشواق باذل
                                                                            يعاني عناء النهر ، يجري كما جرى
                                                                    يروّي سواه ، وهو أظمى من اللظى
                                                                            ويهوي، لكي ترقى السفوح إلى الذّرى
                                                                    لكي لا يعود القبر ميلاد ميت
                                                                            لكي لا يوالي قيصر ، عهد قيصرا
                                                                    لأنّ دم ((الخضراء)) فيه معلّب
                                                                            يذوب ندى ، يمشي حقولا إلى القرى
                                                                    لأنّ خطاه ، تنبت الورد في الصفا
                                                                            وفي الرمل أضحى ، يعشق الحسن أحمرا
                                                                    هنا أو هنا ينمو ، لأنّ جذوره
                                                                            بكلّ جذور الأرض ، وردية العرى
                                                                    ***
                                                                    على أعين (الغيلان) يركض حافيا
                                                                            ويجترّ من أحجار (عيبان) مئزرا
                                                                    يقولون ، من شكل الفوراس شكله
                                                                            نعم .. ليس تكسيا ، لمن قاد واكترى
                                                                    ***
                                                                    له (عبلة) في كل شبر ونسمة
                                                                            وما قال إنّي (عنتر) أو تعنترا
                                                                    ولا كان دلال المنايا حصانه
                                                                            ولا باع في سوق الدعاوي ولا اشترى
                                                                    يحبّ لذات البذل ، بالقلب كلّه
                                                                            يحبّ ولا يدري ، ولا غيره درى
                                                                    لأنّ بع سرّ الحقول تحسّه
                                                                            يشعّ ويندى ، ولا تعي كيف أزهرا
                                                                    ***
                                                                    حكاياته ، لون وضوء ، عرفته
                                                                            كشعب كبير ، وهو فرد من الورى
                                                                    بسيط (كقاع الحقل) عال (كيافع)
                                                                            عميق ، كما تكسو العناقيد (مسورا)
                                                                    ***
                                                                    ومن أين ؟ من كلّ البقاع ، لانه
                                                                            يجود ولا يدرون ، من أين أمطرا
                                                                    يغيم ولا يدرون ، من أين ينجلي
                                                                            يغيب ولا يدرون ، من أين أسفرا
                                                                    وقد يعتريه الموت ، مليون مرة
                                                                            ويأتي وليدا ، ناسيا كلما اعترى
                                                                    تدلّ عليه الريح ، همسا إلى الضحى
                                                                            وتروي عطاياه العشايا ، تفكّرا
                                                                    هنالك شدا كالفجر ، أورق ها هنا
                                                                            هنا رفّ كالمرعى ، هنالك أثمرا
                                                                    لأنّ خطاه برعمت شهوة الحصى
                                                                            لأنّ هواه ، في دم البذر أقمرا
                                                                    ترى ما اسمه ؟ لا يعرف الناس ما اسمه
                                                                            وسوف تسميه العصافير ، أخضرا