قالت الضحيّة - عبدالله البردوني

كيف كنتم أيّام كنت مثيره ؟
حشرات حولي و كنت أميرة

كنت أمشي فتفرشون طريقي
نظرات مستجديات كسيرة

و شجونا حمرا و شوقا رخيصا
و نداء و ثرثرات كثيره

تتناجون بينكم : أتراها
بنت " كسرى " أم " شهرزاد " الصغيرة ؟

لو رأى " شهريار " طيف صباها
باع فيها سلطانه و سريره

و تحرمون تزرعون رمال الجوع
نجوى و أمنيات و فيره

ليتها لي أو ليت أنّي طريق
لخطاها تمدّ فيه المسيره

ليتني مشطها فأشتمّ منها
شعرها أو أكون فيه ضفيره

ليتني ثوبها ؛ و يهمس ثان
يدّعي أنّه مناها … الكبيرة

آخر العهد بيننا سمر الأمس
شكوت الهوى و بثّت سعيره

لا تقولوا : سامرت وهما فما زال
على ساعديّ دفء السميره

فليلبّيه ثالث : ليت أنّي
نقطة فوق خدّها مستديره

و يجاريه رابع : فيغنّي
ليتني البحر و هي فيّ ... جزيرة

و يعيد المنى أديب شجيّ
ليتها جدول أناغي ... خريره

عكذا كنتم أمامي و خلفي
غزلا مغريا و كنت ... غريره

و لأنّي و أمّي عجوز
مات عنها أبي ، سقطت أجيره

***

كيف أروي حكايتي ؟ و إلى من ؟
كيف تشكو إلى العقور العقيره

نشأت قصّتي و كان أبي كهلا ؟
وقور السمات نذل السريره

بشتري كلّ حظّه من عجوز
بالأساطير و الغيوب خبيره !

كان زور المديح يحلب كفّيه
و يعطيه وسوسات خطيره

فيرى أنّ قومة أهملوه
فأضاعوا لاأنقى و أغلا ذخيره

فتمنّى قتل الألوف و لكن
مغيه صعبه القياد عسيره

فالتوى يذبح الصغار من الأطفال
أو يخطف الصبايا النظيره

و يرابي بالبائسات وراء الحيّ
و الهينمات تخفي ... نكيره

واحتمى بالصلاة لم يدن منه
بصر الحيذ أو ظنون البصيرة

فانثنى ليله كما يخبط المخمور
في الوحل ، و السماء مطيره

قلقا تجرح الفراغ خطاه
و هو يصغي إلى خطاه الحسيره

و صفير السكون ينفخ أذنيه
فيرتاب ، يستعيد صفيره

وتمادى تنهّد الجوّ حوليه
ووالى شهيقه ... و زفيره

ورمى خلفه و بين يديه
عاصفا أدمت البروق هديره

و على المنحنى حفيرة صخر
جاءها فانطوت عليه الحفيره

و هناك انتهى أو انقضّت الجنّ
عليه كما تقول : العشيره

زعموه كأن يصيح من الصخر
و يرجو أصداءه أن تجيره

لست أدري كيف انتهى ؟ مات يو
ما ورمى عبئه علينا ... و نيره

***

فتبنّى الصياع طفلا كسيحا
و أنا ، و الأسى و أمّا فقيره

فسهرنا نشقى و نسترجع الأمس
و نبكي أبي و نرويه سيره

كان يشري الحظوظ من أمّ يحيى
كلّ يوم كانت له كالمشيره

كان يمتدّ ها هنا كلّ ليل
و هنا يرتمي ... قبيل الظهيره

***

كنت في محنتي كزنبقة الرمل
أعاني جفافه ... و هجيره

فأشرتم إليّ بالمغريات الخضر
و البيض ، و الوعود الغزيرة

و ملأتم يدي و أشعلتموني
شمهة في دجى الخطايا الضريره

و على رغم عفّتي ؛ رغم أمّي
و أبي عدت مومسا سكّيره

و لهونا حينا و أشتى ربيعي
فتعرّيت أرتدي ومهريره

وانصرفتم عنّي أما كنت يوما
عندكم منية الحياة الأثيره ؟

وزعمتم بأنّني كنت وحلا
آدميّا أما شريتم عصيره ؟

و أشعتم في الحيّ أنّي شرّ
يتفادى دنوّه ... و نذيره

فتوقّى حتّى خيال وجودي
و هو حيّ على الحياة جزيرة

***

كيف أبقى هنا و أنصاف ناس
جيرتي ، ليس لي رفاق و جيره

و غدي رهبة و يومي انتحار
واحتقار ؛ و الأمس ذكرى مريره

و هنا حيّنا خطاه إلى الأمس
و أمجاده عظام نثيره

دفن الأمس جثّة من دنايا
وانثنى يستعير منها مصيره

فهو حيّ من الجليد المدمّى
يجتبي لصّه و يجفو خفيره

يدّعي المجد و هو مقبرة تهتزّ
خلف التراب و هي قريره

يزدريني وحدي و إنّي و إيّاه
ضحايا شروره المستطيره

يزدريني و توبتي و حناني
فوق أهدابه صلاة منيره

هل أنادي الضمير و الخلق فيه ؟
لم أجد فيه خلفه أو ضميره

***

أيّها الآكلون عرضي لأنّي
كنت ألعوبة لديكم أسيره

حقّروني يا دود لو لم تكونوا
حقراء ما كنت يوما حقيره

لا تقولوا : كانت بغيّا ، أما الفجّار
كثر و الفاجرات كثيره ؟

لست وحدي ، كم البغايا و لكن
تلك مغمورة و هذي شهيره

صدّقوني إن قلت في دوركم مثلي
قلست الأولى و لست الأخيرة

كلّ حسناء زهرة : هل يردّ الزهـ
ر عنه حتّى الذباب المغيره ؟