أغنية لصنعاء - محمد بن حسين الشرفي

ورجعتُ يا صنعاءُ
عُدتُ مع الهوى والأمنياتْ
لا الشوقُ ماتَ ولا الحنينُ إليكِ
يا صنعاءُ ماتْ
فأنا وحبي كلُّهُ من مقلتيكِ سكبتُهُ
وسكبتُ كلَّ الأغنياتْ
كلُّ الثواني فيكِ تُبحرُ .. والرؤى
والعمرُ منكِ
ومنكِ أسرار الحياةْ
لم أحترف إلا المُنى والعشقَ
أبعثُهُ ابتهالاتٍ إليكِ
أزرعهُ صلاةً في الصلاةْ
يا كلَّ ما حملَ الفراقُ من الدموعِِ
وما تبوحُ بهِ الشكاةْ
الحزنُ أنتِ وأنتِ هذا القلبُ
والشكوى
وأنتِ الوصلُ في عين الشتاتْ
ظَلتْ ملامحُكِ الجميلةُ
هي كُلُّ ملامحي
والوجهُ وجهُكِ والسّماتْ
كنتِ اغترابي ، والمسافةُ
تستبيحُ عواطفي
وتُبيحُني للأمسياتْ
2
صنعاءُ أنتِ حبيبتي الأولى
وأنتِ صبيَّتي
من بين آلافِ الصبايــا
وحكايتي ..
ودفاتري
ورسائلي
من بين آلافِ الرسائلِ والدفاترِ والحكايـا
الدمعُ يحلو فيكِ
والآلامُ تحلو
والرزايـا
والحقدُ يحلو
وهو يزرعُ في فمي طعمَ المنايـا
ومكاتبُ العملاء تحلو
وهي تمسحني سجلاً من خطايـا
ومعاملُ الأجراءِ
وهي تحيلني
في قبضة التحقيقِ بعضاً من خلايـا
والرُّعبُ ينشرني بقايا من حطامٍ
أو يوزعني بقايـا
حتى الليالي فيكِ تحلو
وهي تمظغني وتنثرني شظايـا
أنتِ المرافىءُ والنجاةُ
وما أُخبىءُ من سلاحٍ للبلايـا
ألقيتُ أشرعتي
وخضتُ بكِ العبابَ
على جناحٍ من هوايـا
3
سافرتُ فيكِ صبـابةً
ورحلتُ في عينيكِ
حُباً جارفاً
أحببتُ جرحي
وهو ينزفُ في رمالكِ
أدمعاً وعواطفــا
وحفظتهُ خلفَ الجفونِ قصائداً
وحملتُهُ فوق الطريقِ مخاوفــاً
ومشيتُ في المجهولِ
وهو عواصفٌ
وقطعتُهُ لا هارباً أو خائفــا
ودخلتُ في الألم الكبيرِ
مع الهوى
وألفتُهُ قَدراً ودرباً عاصفــا
كم ضيَّعتني الأُمسياتُ
ولم أجدْ
إلا طريقَكِ لي صباحاً وارفــا
من مُقلتيكِ عزفتُ شوقي كلَّهُ
من يُنكرُ القلبَ الحزينَ العازفــا ؟ !
أشعلتُ فيكِ محبتي
فتألقتْ
حولي مُنىً مشبوبةً ومواقفــا
القاعدون وهم شتاتٌ في الهوى
والناشرون عليكِ حُبّاً زائفــا
والنائمونَ وهمّ ضياعٌ دائمٌ
والسائرون مع الضياعِ طوائفــا
جرَّبتِهمْ فوجدتِهمْ
لم يُحسنوا
شوقاً إليكِ ولا هوىً متآلِفــا
أغضيتُ عينيَّ عنهمو وتركتُهمْ
لا عاتِباً من أمرهم أو آسِفــا
من لا يُجيدُ الحبَّ فيكِ فلن يُرى
ما عاشَ إلا نائماً أو واقفــا
4
ورجعتُ يا صنعاءُ .. عدتُ إليكِ
كالعصفورِ
مرتعشَ الجناحْ
هذي همومي كلها
أودعتُها في جانحيكِ
وهذهِ كلُّ الجراحْ
ضُمي بقايا الريشِ مِني
فالعواصفُ لا تُبالي
والرّياحْ
ظمأي طويلٌ فاتركي ظمأي قليلاً
في جداولكِ القِراحْ
ضاقتْ بي الآفاقُ
لكن الهوى
في عُشِّكِ المحبوب آفاقٌ فساحْ
تشدو البلابلُ للصباحِ
وعندها
من رفرفاتِ الزهرِ أغنيةٌ وراحْ
كلُّ المسافة بيننا
عطرٌ يُغني
أو شقيقٌ أو أقاحْ
كرمُ اغترابي إن يطولُ فأنَّهُ
كرمٌ بخيلٌ أو وجودٌ مُستباحْ