وهــج البـُردة - سالم المساهلي

حُكم الأحبّة مسموعٌ ومقبــول
وجَورُهم في الهوى عدلٌ ومعقـــول
وبُخلهم بالذي نرجوه مكرُمــة
ومُرّ ما يهَبُ الأحباب معســـول
في هيكل الحبّ يشتدّ الصَّبا ألقا
كأنما العاشق الولهان مخبـــول
ويَنطق الصمت آهاتِ مقطّعــة ً
كأنما الصوت مكسور ومذهـولُ
يغطّه اليأسُ حينًا ثم يُنعشــه
وهْمُ الوصال فيصحو وهوَ مكبـول
لا يعرف الحبَّ من قادته شهوته
إلى الجسومِ وأغرته التماثيــل
فالحبّ أجملُ ما تشقى القلوب به
والعمرُ في حرم المحبوب مبـذول
والغَدر أقبحُ ما تأسى النفوسُ له
كم من مُحبّ تردّى وهو متبــول
إلا الذين روَوْا من حوض الكريم صدًى
هزّ َالفؤاد َ، وباب الوصل مأمــول
هو الحبيب الذي لا كِبرَ يخدشـه
ولا تعالِ ولا هجرٌ وتبديــل
حديثُه الدّرُّ لم يُنطقه فيه هـــوًى
وخطوُه البرّ مكتوب ومفعــول
ويعرفُ القولُ أنّي لا أصــــدّقه
مهما تحلّى وجلّى وهو مصقـول
كلّّ الخلائق قد ترنو إلى ِصفــة
إلا النبيّ ففوق الوصف مجبــول
أسْرى به الحقُّ في العلياء متّشحا
بالمكرمات وفي يُمناه تنــزيل
لا الشمس تُبصره لا البرقُ يلمحه
فكيف تَنبحُه العميان والحُـول؟
من ذا يُسيئ إلى المختار في أفُق
فوق الزمان وِسترُ الله مســـدول؟
هل لي ببُردتك الخضراء تجمعني
قد بَعثر الرّوحَ تشريدٌ وتضلــيل
هل لي بها سكنا أرتاح فيه مدى
قد هدّني التيهُ والمركوب مهـزول
هل لي بها عبقا يُحيي بروقَ دمي
فأُبصرَ النهجَ تحميه التهاليـــل
هل لي بها نبأ ًبالوعد مبتهجا
إن الفؤاد تلظّى وهو مكلـول
يا أحمد العشق إني ذائب خجلا
من أمنياتي وأحزاني سرابيــل
أشكو لك السهوَ والنسيانَ يُبعدنا
نحو المتاهات والإبعادُ تنكــيل
ذي أمّة خمدت أشواقُها فغدَت
كشارد الوهم تذروه المخاييــل
ما بالها الآن لا نهجٌ يؤلّفها
مسلوبة َ الرّوح والوجدانُ مخـــذول
من للرّسالة والراياتُ قد همَدت
وأُلجِم المُهرُ والمَهريُّ معــزول
من للوديعة والأعرابُ قد نقضوا
عهدا مع الأرض والتاريخُ مذهــول
من للمواجع والأحشاءُ موقدةٌ
ثكلى وطفلٌ مُسجّى والرّدى غــول؟
كلّ الخساراتِ عشناها على أمل
أن ينصرَ اللهُ ، والإقدامُ مغلــول
كلّ البياناتِ جرّبنا فصاحتها
وكلّها يئست منها الغرابيــل
لولاك لا لقبٌ كنّاهُ أو نسبٌ
ولا تألّفَ مناّ القالُ والقيــل
هذا هو اليُتم والأكوانُ شاهدةُ
أناّ بلا زمن والعمرُ مملــول
أسلمتُ وجهيَ للرّحمان مقتنعا
ونهجُك السمحُ في عينيَّ قنـديل
ذاك الكتابُ فلا قولٌ يطاوله
ولا عقولٌ ولا يُفنيه تأويــل.