مـا مضــى .... - سالم المساهلي

[إلى قريتي التي رضعتُ فيها صفاء البداوة ونقاوة المشاعر ...]
*
ذكرتك يا نسمات التلال
مواويلَ تهدي الفؤاد
وتزرع في الأفق عشب الأماني
ذكرتك مملكة من لطيف المعاني
فأدمنت فيك انطلاقي
وأدمنت حبّ الأعالي...
ذكرتك حين استبدّ الزحام
وضاقت خطاي..
وخيّم في مقلتيّ الغمامُ ...
.................................
مدائننا صخبٌ مستمرّ
وجدرانها لا تبيحُ انعتاق الجوانح
لا يستطيع الفؤاد اقتناص الفضاء
ودفء النجوم ...
فيسلِم أشواقه للظلال..
أيا زمنا همت فيه بعمري
وتوقي إلى سدرة الاكتمال
***
لماذا يسيل المدى من يديّ
وأغرق في عثرات الرّحيل
ولا حول لي للنزال ؟
****
صحبتُ اخضرار الرّبى
فائحا بالحياة الطليقة
والهمسات اللطيفة
في منتهى الاعتدال..
وجُبت الثنايا ..
تُذيب مسافاتِها في الحقول
حقولٌ تَماوَج بحرا من الأمنيات
تُمشّطه النسماتُ
وَيسبَح فيه الخيال ..
وقُبّرةٌ تزدهي
وهي تعلو .. وتشدو..
تُراقب أفراخَها في حنانِ
تُموّه كي لاتدلّ على عشّها
برقص بديع
وكرّ وفرّ..
ويغلبها الشوقُ نحو الفراخ
فتهوي إليهم سلاما وعطفا وودّا..
****
صحبتُ أبى وهو يحتضن السنبلات
ويهفو إلى البيدر المطمئنِّ ..
ويزرع حلم الجياد..
وكانت لأمّى زغاريدها في النوادي
وحين تميل بمغزلها
"للقشاشيب" والبرنس الأبيض المرمريّ ............................................
وكنتُ المدلّلَ ، تدعو ليَ الله كي يجتبيني
علياّ.. سميّا..
وأذكر حين اعتراني الهوى
وأيقظ فيّ الأغاني
وحُبَّ التفرّد والانعزال ..
أنا كنت أرعى الخراف الوديعة
وأختار مرعى الأقاصي
لأخلوَ بالبوح والحمحمات..
"أبوح لها ... لا أبوح.."
" أقول أحبك ..لا ..لا أقول"
فعُرف القبيلة أكبر
من نزوات الشباب
وتلك القرى لا ترى في المحبة
غير الجموح ومحض الحرام ..
لذلك كنا نذوب..
ولا نستطيع الكلام ..
وكنا بثوب التعفف
نستعذب العشق تحت سياط العذاب
ولفح الغرام ..
لذلك نرتبك الآن صُلب المدينة
حين نمدّ الخطى واليدا
وحين نحبّ وحين نريد ونهفو ..
وما زال للعشق رهبتُه
وما زال للخوف جيش
يسيّجنا بالظلام .
****
ألوذ بذاك الزمانِ الجميلِ
وأركب ذاكرة من جناح شفيف
أطوف بها ما مضى من عهود
أداوي اغتراب الغناء بصدري
وأشكو لها رغبة سافرت في المحال
فيا ذلك العهدُ كيف انثنيتَ
وغادرتَ عمرا
يبعثره الليلُ والصمتُ والغمغمات
ويعصف فيه الزمان الثقيلُ
ويصخبُ فيه السؤال ؟