المنمنمة العاشرة - صدقي شعباني

في اللّيل:
ينزع وجهه... يخطو إلى الخلف، ليضع ملامحه
فوق المرآة... فيغدو بلا وجه. يسأل:
- كيف يرى الأشياء الآن؟ كيف يرمّم
قي الظّلمة حيرته، وشيئا يتعلّق دوما
بين العينين وبين الشّفتين – شيئا
كان سعيدا حين رمته العنقاء بعيدا...
اللّيل يفاجئه... كان يفاجئه، حين
القلب يدقّ النّبض الخامس والتّسعين،
ويغرق في الشّارع إحساس القادم
من سرداب خارج أوقات العالم، وخرائط
وديان الموت... كان سعيدا، حين تعلّقت
الأشياء بعينيه، وسقطت أنّات القلب
من بين شفتيه؛ فلمن يترك كلّ سخافات
الكون؟ ولمن يتلو الدّرس الأوّل في الحبّ
إذا كان الخوف يغلّف كلّ وجهه في اللّيل؟!
سيحاول أن ينسى أنّ اللّيل – إذا أغمض
عينيه – صار نهارا، وأنّ الأحلام اللّيليّة
بلا رقبة، فقط تحفر في القلب عميقا، كي
تكشف أسرار الموت اليوميّ، وعذاب الصّوت
الوهميّ، وملامح كان يعلّقها كلّ مساء على
المرآة!... هل مثلا جرّب أن ينسى؟ هل مثلا
أدرك معنى أن ينزع عن وجهه كلّ ملامحه؟
هل أدرك أنّ سؤال "البحث عن الذّات" هو أقصى
المأساة؟ أم أنّه فضّل أن يرتاح، أن يهرب
من كلّ منافذ روحه، ويعلّق فوق المرآة نفس
الحيرة يرسمها التّسآل!...
*
البريمي في 12 كانون الأوّل 2007