المنمنمة التّاسعة - صدقي شعباني

هي تعرف كم سؤالا طرحت؛
هي تعرفني كما تعرف الكفّ باطنها،
ويعرف البحر شكل المحارات الّتي تتلوّن
بلون الأمواج الّتي سافرات بعيدا، فلمّا
لم تجد حدودا خارجه عادت إليه...
وتعرفني حين البكاء العصيّ، وحين
الفرح الّذي تمتزج فيه دموع الإثارة
بملح التّشرّد خارج خطوط الخرائط...
ولكنّي أنا الغائب دوما – أنا المفجوع
بضيق الذّكرى، وأشكال الأشياء المطموسة،
فكيف عرفتني... كيف تستلّ من عمقي كلّ الأسماء
الّتي بحثت عنها بداخلي، فلم تجبهني بعيد
السّنوات المكرورة غير الجدران المصفّحة، وعشرات المتاريس، وقد انطبعت في أعلاها جميعا
صورة المصلوب...
الآن عرفت بأنّي المصلوب الثّاني،
وأنّها جلاّدي، وان ليس لـ"هيرودس" من
كلّ المأساة الوثنيّة سوى الجسد والدّم.
فاخرج من نزق الرّوح... من حرف يصنع كونا
إلى حرف يسكنه الاسم، أو حرف يعرف كيف
يبادل نفسه بكلّ الأشياء دون أن تجرحه الحناجر
وسيف العادة الدّمويّ...
هي تعرفني...
كلّ الّذين رأوني قرأوا ملامحها على وجهي،
عرفوا أنّها قدري،
فكيف لم أفطن لذلك؟كيف لم أعرفها كما عرفوها
حينما رأيت في مرآة السّاعة الواحدة الّتي كنت
أنظر فيها دائما، فلم أر غير المصلوب... لم أر
غير المسامير الأربعة، والدّم الّذي كان ينزف
صار شقائق نعمان حمراء... أنا رأيت ذلك،
ولم أعرفها حين رأتني، ولكنّ "هيرودس" يعرفنا
نحن الاثنين، حتّى من قبل أن يفضح الدّيك إيمان
الحواريّ، ويموت "يهوذا الإسخريوطيّ"، ولم تكن
مائدة الرّبّ شفيعا له من دم المصلوب /
الأوّل.
*
البريمي في: 8 كانون الأوّل 2007