المنمنمة السّادسة - صدقي شعباني

تأخذ الصّباحات دائما شكل الأشياء المألوفة،
تتعرّج مثل خطى سلحفاة منهوكة على رمال الشّاطئ النّديّ –
في صمت، تزحف هذه الصّباحات، لتؤطّر من الخلف
صورة العامل الهنديّ وهو يمسح آثار اللّيلة الفائتة
عن زجاج الكافيتيريا الوحيدة في الشّارع...
يستغرقه الصّوت الباطن، فتمتدّ يداه لاإراديّا
إلى قاع الخوف؛
اليوم هو الأمس – صور لأشخاص يأتون
من الحلم... خطى تتعثّر في الحارات المنسيّة في
حيّ من أحياء "مومباي"... كنت رأيت
الدّمعة بيضاء، أو كنت فقط أعرف أنّ
القلب ينزف أدمعه المخفيّة في هذا الصّباح
الخليجيّ الصّامت. والعامل الهنديّ يحاول
أن يهجس بقايا الأغنية السّابقة بلهجته
الأخرى.
لو أنّي فقط أعرف معنى هذا الصّوت. أسمع
نبرته الجميلة، والإيقاع المفتون، غير أنّ
النّادلة صاحبة الشّعر الذّهبيّ وهي تخرج
من مطعم "أنصار" لتشاكس وحدته أخفت
عنّي رنينا أعرف وحدته ومعناه... وأظلّ
بعيدا، ما بين الأرض وبرزخ الحزن، أسأل
"دانتي" في الصّفحة الّتي سقطت عفوا من
يدي، عن هذا الشّارع هل يصلح أن يحمل
آلام المطهر. كان اللّيل – أو بالأحرى، بقايا
الفجر الهارب، يفسح للطّيف القادم أبهاء
الحلم... عرفت "دانتي"، أو ملمح "ترسياس"،
أو ذكرى صديق، حين تكلّم، كنت أرمّم
قلبي وأناظر بين التّقويم القبطيّ وما
دوّنه "غريغوريوس" في لحظة خوف
قصوى...................................................!!
*
العين في: 9 تشرين الثّاني 2007