سنونوة واحدة لا تكفي - محمد علي اليوسفي

حلَّ الربيعُ عابثًا فينا بميزان المياهْ:
سِرْنا إليه، هذه المرَّةَ؛ مِنْ عاداته الإفلاتُ مثلَ أرنبٍ في غابةٍ، فلا نرى منه سوى ارتعاشةٍ في العشبِ، بعد كلِّ وثبةٍ ترومُها خُطاه.
كم ربيعًا تسلَّل حتى تعوَّدتُ رَصْدَ بذوري ؟
برغم مداعبة الطَّير شمسًا خجولاً، دعانا إليه. فلُذْنا بدوَّامة البيت للالتفاف على مَكْرِه: شمسُه نصفُ دَيْنٍ عليه؛ تُصرِّف بعضَ شؤونِ الشتاء، لسدِّ الديون ورفع العتبْ.
شعَّ في طين نشأتِهِ بلَلٌ، فقَنعْنا بآذارَ خلف نوافذنا. كان مثلَ صغيرِ الغزالةِ في طين وثْبتِهِ، بينما الرُّوحُ في لمعةِ الفرْوِ منذورةٌ للَّعبْ.
*
ثمة شيءٌ من الخريفِ في رعشة الربيع، فلْنَلْتَفِتْ:
كِلاَهُما نهبُ فصليْنِ،
ومرتبكًا يأتيك، ملتفتًا دومًا، إلى جهتيْنِ:
ما بعد الأوَّلِ،
خلف الثاني،
كمينُ عواء...
جوقةُ بردٍ وذئابُ شتاءْ
*
إبريلُ، في حذَرٍ، يُطلُّ بحيَّة الأعشابِ. يترك رِفْلَ يومٍ فائضٍ، متأرجحًا في ذيل مارسَ، عاكسًا خطواتِه الرَّحَّاءَ في مرآته كي ينقلبْ؛
هوذا يجيء: سماؤه في أرضه، وفضاؤه هذا الضَّبابُ، يُطلُّ منه على اللهبْ.
*
أطائرٌ في غابةٍ، يحرِّض الأسماء في ذاكرتي؟
بالأمس لم أكنْ هنا، ما بين برْوَاقٍ ووَزَّالٍ، بَدَا نبعٌ !
وكان كلُّ شيء في تحوُّلٍ؛ سواء جندبٌ أم شوكةٌ، تحت شموسٍ، سوف تشوي آخرَ الأعشاب.
بالأمس، قرْبَ النبع، قلتُ: ( أجملُ الأيام في نيسانَ، يومٌ لا يُسَمَّى !) فلِمَ استيقظتُ صيَّادًا، وأسماءٌ ترفُّ، تنقر الزُّؤَانَ من نافذتي؟