جنّاز البحر - مراد العمدوني

يقول المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي الــعزائمُ
وتأتي على قـدر الكرام المــكارم
……………………………...….ولم تأتِ
كانت السماءُ غُبارا أجوفَ
والسَّنَةُ
ألسنةَ ريحٍ ترُجُّها الفخَاخُ
وكنتُ
أعاينُ عَيْنَ الله
كيف انفلقت نهرا
وأغرقتنا
……
يا أيها المُدَّفَّقُ
قُمْ للبلاد
ودثّـــرني خُــطاكَ
وعرِّ عن وجهك الأرضَ
كي تستبيحَ الأرضُ رؤاكَ
فنرَاكَ فـي انهمام الوَجْدِ
إذا الوجْدُ ضاق
ينهمرُ الفتى
من رُطبِ النَّخيل
والجذعُ مؤصَّلٌ في النَفَسِ الأخير
يمشي
فيمشي من خلفه النـّاسُ
وامرأةٌ رَخْوَةٌ
تَسْتَلِذُّ سلخَ أدْبَاشِِهَا
تتعرّى
فيح..يَحْـ..يَحْـ…تَقِنُ
اللّحنُ:
- يا ولدي
كيف غُدِرْتَ
فأدرت ظهرك للريح
وحيدا ؟ !
وكيف اقترفت قتالك
حين قُتِلْتَ !
ويَحْي……ويحي
أجدادُنا العربُ كانوا إذا ركبوا
إليهم تجيءُ الشواطءُ إربًا
(تهلَّلَ نجمٌ
والصدى مُوَزَّعٌ بين ماءينِ:)
-سيّدتي
أنا ابنك الأبقَى
وإن راموا هُمُ الهربَ
يَسْتَلُّنِي الغُبَارُ
من غربتي
قاتلٌ وجْهُكِ هذا الصّباح
نعمْتِ صباحا إذَنْ
وتَعمَّمي مُزقِي
تيجَانَ نَارٍ
أخْمَدَتْنِي
ثُمَّ
…… ثُمَّ قِفِي
على الشُبَّاكِ المُقَابِلِ
كي نُفَتِّشَ
عن هَوِيَّةٍ أخْرَى للرُّخَامِ
رفّ الحَمَام
فرَّ
من ظلالي
إلى
الرُّكَامِ
…تطيّرتُ
فَجَثَمْتُ على رُكَبِي
كمُلاعبِ الثَّعابين
أفتحُ صُرَّةَ العُمْرِ
أسِرُّ لها:
- أنَّى يَسيرَ الخطافُ بنا
وشَـوْك الشَرْقِ يُدْمِينَا
………؟ !
(أجابَتْ:)
- ما كلّت سواعدُنَا
ولكنْ
هل جَفَّتْ سوَاقِينَا
فَبَقِينَا
نُرَاقِبُ التُفَّاحَ
إذ يحمرُّ…… نحمرُّ
ونخجلُ قطفَ التُّفاحِ من أراضينا
…… إلهي
تهتُ من دورةَ المياه
تدور على أعقابها
والأرض مُكَوَّرَةٌ
أو هكذا تبدُو؟ !
ومن جالسٍ عند أعتابِ النَّهْرِ
يُسائلُ المياه عن أوّل الأنبياء
كيف يستحمُّ؟ !
أو كيف يغفُو؟ !
إلهي…
هذا هوايَ في هواكَ صدئٌ
ودجلة سرو العاشقين اذا ساروا
فصاروا
يخيطون البلادَ بِرُمْحِهَا
ويَرُدُّونَ المغُولَ إذا ما أغارُوا
فأغارُ
من طفلٍ يُضِلُّ بظلّه
والدّهرُ رخوٌ
ولكن حين يُجدّفُ إعصارُ
إلهي
إن المياه قد تغدّرت في محابسنا
وذي الذكرى
التي كنا حين تومض نغازلها
ماعاد النجم كما كان يطل على شرفتها
فَنُخَاتِلُهَا
ونومئُ لليلِ
أن غطّ عنّا وجه الله كي تهدأ
فَنُقَبِّلُها
أُشَرِّعُ الشُبَّاكَ على كل الممرات
أشَرِعُهَا
أصطادُ المطرَ من ينابيعهِ
أحفلُ بخواتمِ امرأةٍ تنهارُ
وأرمي الوردَ إذا امتدّ بالحصاةِ لينّهدّ
فتلكمُ رُوحي في آخر الممرات
ترْقُبُني من على الشجن
وتامرني أن أخلع عني ما تبقّى منّي
وأنهارَ في الوهَنِ الباقي
-ابقَ
ابقَ لو استطعتَ تصريفَ الماضي الوَمَضِ:
1- أقبرَ الولدُ البحرَ
2- أكل آدمُ تُفَّاحَ العُمْرِ
3- ارتدى الخليفةُ وشاحَ الدَّهرِ
واستبدَّ بالنهر
……وأنا
لازلتُ في قاعِ الوجدِ
وحدِي
أعاينُ ما وراءَ العرشِ
وأهذي
فاللهُ منشغلٌ عنَّا باختبار الهمس
والهواءِ النَّحْسِ
هل كان من أوكسوجانٍ
ام من كسو جان مال الى رمسي
فاستمالَ نفسيِ
وهوىَ
أهذي…
أتريدينَ أخبئَ البحرَ
في جُثثي
وأقفي خطوكِ بالصَّدَفِ
والزَّبَدُ
إذا ساحَ إليَّ
إليكِ انضِّدُه
وأرَتِّقُ المَوْجَ بيننا بنتفي
أهذي
وأقول للنَّهر ـ إن تأخرت ـ
يا نهرُ
يا نهر تكتَّفتُ بسحرِ التي أمْطرتْ
وتقيأتُ الرُّوح في تُربتها
حتّى حَنَوْتُ على طَيْفِهَا ما استطعتُ
يا نهرُ
إن قادكَ الدّهرُ
إلى طلِّها
لا ترّمي شُبَّاكَها الوردَ
وارمِ بجُثَثي
على بَابها
كي تعلمَ أنّ قلبي ساقَها الوَعْدَ
… أهذي
وأقول للّتي كَفَّنَتْنِي
أكلتِ والبلادُ خطايَ
فسرتُ بلا أشْرعة
كي لا أخونَ
وخُنتُ ما وعدْتُها رُوحي
بأن أكونَ عنيدا
كصوتِ النَّحيبْ
وأن أكون خياما
تدرُّ صهيلَ الخيول
وبحرًا
يُعيد الصَّباحاتِ
حين تغيبْ
أهذي
منْ علم آدم الأسماء غَيْرُهَا
أوْ
منْ علمَ آدم الأسماء غَيْرُهَا
وأجري رميمي علي أكْفَانِه
وحطّ كطيفَ اللّواتي مَدَدْنَ جُذوعِي
وأنشأْنَنِي مِنْ رُفَاتِي
وصلَّيْنَ لِوَصْلِي حتّى التحفتُ بريحها
ضمَّني رُوحهَا
واحتواني