فزّاعة الموتى ...... جلاّبة العار - مراد العمدوني

أرْبَكَني الرّيحُ
فانطفَأتُ
كطِينٍ خَانَهُ البَدْءُ
والوقتُ الغَديرُ
وأومَأتُ لِهَبَاءاتِ النَّهرِ
أن اتّسِعِي
إنّي فَتَّحْتُ لكِ
ما تبقى مِن مَرَاقِدِنا
و تَرَدَّمتُ الجسدَ
و سَوَّيْتُ لَكِ
مِنْ طَوَائف مِلَّتِنَا سُوَرًا
ومِنْ أشْلاَئنا وَسَدَا
خَانَنِي النَّهرُ
فأماتَني غريبا
وأهداني بلدا.
أربَكني الرّيحُ
فانطفأتُ
ومائي مازال مُبْتَلاً عند مُوجِدِه
عَلَقًا مُكْتَظًا
بأدْرَانِهَا ... العَلَقَه
واللَّهُ شَدَّ بأطرَافِنَا بلدًا
يَسعَى كأفْعَى
.... تُربِكُها الأفعى
فَفعلنا بالدّهرِ
ما تَفعَلُ به دُوَلُ
مَضَت تحفر الدَّمَ
وتروي من مَآقِينَا
النُّجُمَ
....
أربكني الرّيحُ
فانطفأتُ
وقلتُ :
كُنّا لماضٍ
نقولُ لَهُ : " كُنْ"
فيُكَنَّى
بأسمائنا
فَرْدا ... ففردا
ولكنّنا الآن تَلاَجَمنا
وفُتْنا ما فزَّعتْ أحلامنا
" كنّا..."
كنْا كثيرا ما نحكي للنّهر
عن جَوَارٍ سابحاتٍ
في أكُفّنا
وعن قمرٍ جميل بلا تُرْبَة
تُذرِيه أوجاعنا الوَجْلى
كنّا عراجين تَدَلّتْ
من أليافِ مَنَاكِبها
وتَعنْكَبَت في صداها
فتَدَوّلَت بنا الدُّولُ
كنّا تفّاحا فوّاحا
نَنْهدِي بأضلعنا لها وإن نامت
نَسْتَلُّ لَهَا من شِفَاهِ البَحرِ
رَغْوَةً
ونُعيدُ الجِنَان لِحَوَاءَ
.... كُوني حواء...كوني بلا وسدٍ
كجيلٍ يُغَنّي لِطَيفِ التَّلاَقِي
ولا وترَ سوى هذي السَّوَاقي
تُنيرُ الشّدْوَ لِشفَةٍ بلا ثَلْج
فنُلاقي ما تبقّى من عِرَاكٍ
بَعدَ تكْفِيرِ البُورَاقِ
....كوني حواء ... كوني بلا جهة
ولا كفٍّ يَستَعِيدُ السِّرَاجَ
مِن وقعِ العناكب الحُبْلَى
ويُعيدُ البُهرَةَ للانبِهَارِ
هذا النّهار
كُنتُ واقِفا
كنت هكذا
....
أتمثّلُ الطُّرُقَ، جميعها
بلا خَطْوٍ
ولا وَقْعها
....
أتمثَّلُ البَحْرَ بِلا جُثَّةٍ
بلا ضَفَّة
بلا شبكهْ
كنت هكذا
..
لَو فَتَحتُ الواحةَ على بحرٍ
وأقَصَيْتُ النَّخِيلَ
لَوْ شَاكَسْتُ جِيَفًا لها بَذْرٌ
يطالُ الجَبَلَ
ولها مَبْسَمٌ قَاتِلُ
لَوْ لَوَيْتُ يَدَ سَالِكٍ
في صراطِ النَّحْلِ
لخَطّتْ على يَدِهِ النَّوءَ
والعَسَلَ
وذي الفَلاةُ مُذْ حَلُمَنَا بها
أعَدْنا لها الوَجدَ والأمَلَ