كم تشتهين من النوافذ - جابر أبو حسين

ولَبِسْتُ ليلى‏
ألبستُها للناسِ‏
كي لا‏
وحدي أغنّي‏
ثمَّ أُصلى.‏
كمْ تشتهينَ منَ الضفائرِ يا صبيَّةْ؟‏
كمْ تشتهينَ منَ الرسائلِ والورودِ‏
ودندناتِ المجدليّةْ؟‏
كمْ تشتهينَ منَ الثيابِ؟‏
وكمْ بنفسجةً لتكتشفي ندى نهديكِ‏
في كفّ المغنّي‏
عندَ بابِ الصالحيّةْ؟‏
هل تكبرينَ إذا أنا قبّلتُكِ؟‏
اختبئي بصدري‏
كي تصيري أمَّ هذا الصبحِ،‏
وارمي سرَّ هذا الحقلِ‏
في ضوءِ المروجِ الداخليَّةْ.‏
لا ينبغي أن تستقيلي من شفاهِ الشعرِ،‏
بل لا ينبغي أن يستقيلَ القلبُ منكِ،‏
وينبغي أن تستريحي‏
في طريقِ الشمسِ،‏
كي تتحدَّثي معَ مرجعيَّةِ داخلي،‏
ومعَ اشتعالِ الصمتِ في بيتي‏
لأخرجَ منْ جنونِ العامريَّةْ.‏
ليلاي‏
ليلانا‏
فغنّي يا مدائنُ‏
معْ دمائي؛‏
سوفَ نقذفُ قلبَنا‏
في كلّ وادٍ،‏
نتركُ الأحزانَ في كلّ الشقوقِ،‏
ولا نسامحُ مَنْ صفَحْ.‏
حرمٌ..‏
ورمحٌ..‏
للمرحْ.‏
سَنُصَعِّدُ الريحَ الكسولةَ‏
في أكفِّ الذاهبينَ‏
إلى الفرحْ.‏
كمْ تشتهينَ منَ الأيائلِ يا صَبيَّةْ؟‏
كمْ تشتهينَ منَ الفراشاتِ..‏
اصدقيني القولَ..‏
وَعْدَ النارِ.‏
كمْ زيتونة بيدِ المعبَّأ بالخرائطِ‏
والمقفَّى بالشواهدِ‏
صارحيني،‏
واخلعيني‏
فوقَ قلبِك دمعةً،‏
سنرى القرنفلَ في طريقِ الدمعِ‏
إذ يجبُ البكاءُ.‏
وليسَ يحترقُ الفؤادُ‏
إذا جرى في عُشبِهِ دمعُ البلادِ،‏
لذاكَ نبكي،‏
ثمَّ نبكي.‏
فلنصارحْ شكَّنا،‏
إنَّ السماءَ ستحملُ الآنَ الجِرارَ،‏
ستحملُ الأرضُ المسرَّةَ،‏
يهتفون:‏
كلاهُما متورّطانِ ببندقيَّةْ.‏
كمْ تشتهينَ منَ البنادقِ يا صبيَّةْ؟‏
كمْ تشتهينَ منَ المداخنِ‏
والمدائنِ‏
والينابيعِ القصيَّةْ؟‏
كمْ تشتهينَ كواكباً منّي ومنْ جسدِ الطبيعةِ‏
والقناديلِ الخفيَّةْ؟‏
كمْ منْ ليالي الزهدِ تكفي،‏
كي نشاهدَ عريَ ساعتنا‏
ومطلقَ ذاتِنا؟‏
في الحرب يُفتَحُ أيُّ برميلٍ منَ الخمرِ احتفاءً بالجيوشِ الغازَيْة .‏
في السلمِ تُفتَحُ أعتقُ الجرَّاتِ.. هذا شرطُهمْ.‏
سنقولُ: إنَّ كرومَنا ستُراقصُ الأطفالَ،‏
تعطيهم مفاتنها لتكبرَ،‏
تركضُ الأنهارُ خلفَ وجوههمْ،‏
لنْ تلحقَ الأنهارُ ضحكتَهم‏
وثلجَ يدي (لعازَرَ) خارجاً منْ نومِهمْ‏
يهمي بلاداً من أصابعهمْ،‏
يصافحُ منْ أتى لعزائِهِ،‏
تتكسَّرُ الألوانُ في طرقِ السهولِ المتُعبَةْ.‏
هذي الجبالُ ستخلعُ القمصانَ،‏
تنتظرُ الغزالةَ كي تمرَّ على حدائقِ شعرِها،‏
وترتّبُ النارَ الكبيرةَ،‏
(كرنفالَ) الركضِ،‏
تتويج الصبايا بالصنوبرِ،‏
أو بأوراقِ المدارسِ،‏
ترتوي أجسادُهنَّ بحمحماتِ الخيلِ،‏
بالفرح المعبَّأ بالعصافيرِ الشفيفةِ،‏
بالمواويلِ الجديدةِ،‏
والسنابلِ والحُميَّا،‏
كم تشتهينَ منَ النوافذِ‏
يا صَبيَّةُ؟‏
إصدقيني الفعلَ،‏
رؤيا النصّ في وطنٍ‏
أقبّلُهُ فيجلدني،‏
عِدِيني بالهدايا‏
والسيوفِ،‏
فليسَ تكفيني حجارتُكِ الكريمةُ،‏
لم يَعُدْ صمتُ الصحارى مُقنِعاً،‏
في قبضتيكِ دمٌ لأغصانِ المدى،‏
زيتونةٌ للسيفِ،‏
عمرٌ للردى.‏
هذا اشتهاؤكِ يا صَبيَّةْ.‏
إذَنِ اكتُبي للموتِ:‏
وجهُ الطفلِ نافذةٌ،‏
وبسمتُهُ استحالتْ بندقيّةْ.‏