خريف أخير لهذي الروح - طالب همّاش

متأبطاً حُزْنيْ كأيلولَ البعيدِ‏
ورافعاً يأسيْ كأجراسٍ‏
إلى أعلى الغيومْ!! .‏
لا ريحَ تملأُ بالنّدامةِ راحتيّ‏
لكي أعلّق حسرتيْ واهاً‏
على حبلِ البكاءِ! ،‏
وأقتفي كالذّئب جرحَ حدادها المكتوم..‏
لا نَاعُوْرَة حدَلَتْ صدى صوتيْ‏
على دَرْبِ الكرومْ! .‏
متأبطاً حزنيْ وراءَ الغيمِ‏
والأحجارَ تقرعُ راحتيها‏
كلمّا طيرٌ رأني‏
واستدارَ إلى الغروبِ..‏
قفُوا وراءَ الليلِ وابكوني!‏
لأرحلَ كالأراملِ خلفَ مزمارِ الجنوبِ!‏
أنا التماثيلْ التي تركتْ يديها للصلاةِ!‏
أنا الحياة،‏
وضلعُ خريفها الخمسينَ!‏
لَمْ أجد المواويلَ التي‏
فتشتْ عن أجراسها في الحَلْمِ‏
لَمْ أجدِ الحساسينَ التي‏
تَلقي على روحيْ السلامَ‏
إذا بكيتُ!‏
أنا زوايا البيتِ‏
يحرسُهَا الظلامُ الكهلُ‏
والأيامُ مثل عباءةٍ سوداءَ‏
يلقيها الشقاءُ على ضريحِ الأرضِ،‏
والأحزانُ لاطئةٌ بظلّ الريحِ‏
كامرأةٍ على قبرِ الهديلْ!! .‏
هزوا مواويليْ على شجرِ النخيلْ!!‏
هزوا مواويلي‏
لأعجنَ بالحداءِ المرّ صَلْصَالَ اللياليْ‏
السودِ‏
وارثوني!‏
لأرفعَ زهرتيْ للموتِ‏
كالقمر الجميلْ!.‏
هزّوا النخيل!،‏
أكلمّا سَرّحتُ أحزانيْ على الأطلالِ‏
أبكتنيْ أيائلُ من دموعٍ،‏
كلمّا قوّسَتُ ظهريْ‏
فارقتْ عمريْ الأناشيدُ‏
التي حَمَلتْ فؤادي مثل عصفورٍ‏
إلى شُبَّاكِ أنثى في الأصيلْ؟! .‏
ليتَ الهديلَ بلا هديلْ!‏
لأطيرَ مثل حمامةِ الزيتونِ‏
فوقَ تلالِ قريتنا البعيدةِ‏
حاملاً للقمحِ سنبلةَ الحياةْ! .‏
ليتَ الحياةَ هي الحياة!‏
لأحبّها،‏
وأحبّ جمعتها الحزينةَ،‏
زعفرانَ خريفها في الروحِ..‏
مغربها الذي يعلو على الأحزانِ‏
منكسراً ..‏
وأهبط كالحمامة للصلاةْ.‏
يا ليتها أرجوحة‏
لأهزّ كلّ العمرِ صورتها‏
على صوت المياهِ‏
وأقطفُ الأزهارَ من قلبي‏
لأضفرَ طاقة لعيونها،‏
وأقصّ خصلةَ شعرها‏
لأزيّن الأشجارْ!.‏
هزوّا سريرَ القمحِ كي أغفو قليلاً! ..‏
واتركوني فارداً صدريْ‏
لشتلةِ زهرةِ الأشعارْ! .‏
لو كنتْ صفصافاً‏
لسرّحتُ السحابَ على مناديليْ،‏
وأسكنتُ الغرابَ جدائلي‏
في الليلِ‏
كي تتأمّلَ الأقمارُ جرحَ جمالهِ المكسورِ‏
وهو يلوذُ كالملكوتِ‏
نوّاحاً على الأشجارْ.‏
لو كانَ ليْ أيقونةً يا حزنُ‏
كنتُ بكيتُ‏
كالرمّان فوقَ سفوح من غابوا،‏
وطيرّتُ الرسائلَ خلفهم حزناً‏
لأرثيهمْ بدمع الروحِ‏
في دربِ الهوى النائي،‏
وأزرع دربهم صبَّارْ! .‏
لكنني كهلٌ أدبُّ على‏
أديم الأرضِ‏
دبَّ الحزنِ..‏
متكئاً عصا بؤسيّ العنيدِ‏
فأينما يممّتُ هذي الروحَ‏
لا ألقى سوى ندَميْ على الطرقاتِ‏
يا ريحُ اتركيني فوق سفحِ العمرِ وحدي!‏
كي أطيلَ على الحياة تأمليْ‏
وأموتَ كالبحّارْ!!.‏
***‏
متأبطاً حزنيْ‏
أجاهرُ في ظلامِ الليل‏
كالذئب الجريحِ..‏
أردُّ رجعَ الريحِ‏
من واد إلى وادي،‏
وأرحلُ في جهاتِ الأرض‏
لا بحرٌ لكي أجثو على شطّ الغروبِ‏
مودّعاً حزني‏
أنا كرَّامُ أحزان النصوبِ!‏
***‏
مُشَرّداً بين الأغاني مثلَ ناي‏
لا يملّ من الغناءِ إلي النجومِ‏
أنا المواويلُ التي نسيتْ ملامحَ‏
عاشقيها‏
ثم غابتْ كالغيومِ!!‏
طويتُ أجفاني على نفسيْ‏
ورحتُ أراقبُ الأيامَ‏
من برجي الكفيف‏
فلم يَعُدْ بيْ ما يدلّ على الحياةِ‏
سوى خيولِ الدمع تركضُ‏
خلفَ أشجارِ الخريفِ‏
ولمْ يَعُدْ في الروحِ‏
متسعٌ لرَجْعَاتِ الحفيفِ‏
فأينَ سفحُ المغربِ الباكي‏
لأرثيهْ؟!‏
أرثي مَوَاتَ كهولتي فيهْ!!‏
وأنامُ تحتَ هلالِ أيلول النبيّ‏
فأسبلوا أهدابكم بعد ارتحالي!‏
واذكروني‏
دونَ قبرٍ أو ضريح! .‏