زهرة الأخضر - طالب همّاش

سَهَرٌ على الينبوعِ‏
وامرأة تَزَوّجتِ الحفيفَ‏
وسيّجتْ شبّاكها بالفلّ‏
والسروِ الحزينْ.‏
***‏
مالتْ على أيقونةِ العذراءِ شاكيةً‏
فمدَّ البحرُ زرقته أمامَ الحزنِ..‏
امرأةٌ بكلّ حنينها..‏
(بأناملٍ) بيضاءَ من رجزٍ وموسيقى‏
تضيءُ شموعها للغائبينْ.‏
***‏
مثلَ الرسولةِ في أقاصي الصبحِ‏
تجمعُ نرجساً لزفافها‏
والأزرقُ الورديُّ يمسحُ وجهها‏
بالياسمينْ.‏
***‏
لصفاءِ طلعتها مصاحفُ لا تَمسُّ..‏
لروحها شهواتُ قبل الفجرِ‏
أسقطَ طائرُ الرمانِ ريشته على شباكها‏
العالي‏
وطارَ بصوته الحافي‏
يغرّدَ في بساتين الحنين.‏
***‏
سهرٌ على الينبوعِ‏
جاءَ البلبلُ الصيفيُّ..‏
جاءَ القمحُ..‏
والفلاحُ يحملُ سلّةَ الليمونِ..‏
والناطورُ يحملُ من كرومِ الليل‏
موّالَ الغروبِ..‏
وجاء نايٌ طاعنٌ في السنّ‏
يحملُ في جوانحهِ المراثي..‏
كلهمْ جاؤوا عشاءً ناحبينْ!‏
***‏
سهرٌ على الينبوعِ‏
راحَ القمحُ يشعلُ موقداً للخبزِ‏
والكرَّام يُعصرُ خمرةَ الأعنابِ‏
والناطورُ يبني من ضلوعِ اللوزِ‏
عرزالاً لشوقِ الحاصدينْ.‏
***‏
قرعتْ طبولَ الصيفِ كفُّ الريحِ‏
راحتْ نسمةٌ بيضاءُ ترقصُ‏
في ثيابِ النومِ..‏
والزمّارُ يزمرُ في أعالي الوعرِ..‏
إنَّ القمحَ في شغلٍ.‏
وغصنُ الحورِ مهتزٌ‏
يراقصُ ريشةَ العصفورِ‏
والصوفيُّ يغزلُ من خيوطِ الوقتِ‏
منديلاً لعذراءِ الحمائمْ.‏
***‏
وأنا الصبيْ..‏
قرأتْ عليه غمامةٌ أسرارها‏
ورعته مريمُ في سريرِ حنانها‏
الحاني فنامْ‏
***‏
أشعلتُ سنبلةً برائحةِ البنفسجِ‏
ثم قلتُ لطائرِ الزيتونِ:‏
اذهبْ في نشيدِ القمحِ أميّاً‏
لتدخلكَ القصيدةُ وقتها العالي..‏
وقلتُ لطفلةٍ لا تذهبي للنومِ‏
(حبركِ أبيضٌ)‏
والليلُ محبرةُ الكلامْ.‏
***‏
فاكتبْ لنا أشواقنا يا حبرُ‏
في فصلِ الكتابة‏
كي نظلَّ على هيامْ!‏
***‏
واذهبْ إلى قمرِ القرى‏
المرفوعِ فوق غنائنا الصيفيِّ‏
سلّمهُ الرسالةَ:‏
إن أزهارَ البنفسجِ والجداولَ‏
والمياهَ الخضرَ والأنهارَ والأطيارَ‏
إخوتنا وقريتنا الغمامْ.‏
***‏
الليلُ سيّج نَومنا (بجدائلٍ) سوداءَ‏
واقتعدَ الغروبُ على السياجِ‏
يضيءُ أزهارَ الشموعِ الحمرِ...‏
والأشجارُ قد هزّتْ على شباكنا‏
المفتوحِ أجراسَ الحفيفِ‏
كأنها الهمسُ الحرامْ!‏
***‏
سهرٌ على الينبوعِ‏
نامَ القمحُ وانطفأَ الهلالُ‏
على سريرِ الليلِ‏
والأقلامُ أغفتْ فوق أوراقِ الكتابة‏
واختفينا في الكلامْ.‏