راهبة القمح الحمامة - طالب همّاش

على النهرِ تمشي الحمامةُ‏
خلفَ خرير المياهِ‏
ويرتحلُ العندليبَ.‏
***‏
وتبكي الرباباتُ بَعْدَ الخريفِ‏
فترجيعُهَا موجعٌ في الحقولِ،‏
ونَغْمَاتُهَا السودُ رَجْعٌ غريبُ.‏
على النهرِ تعبرُ سَبْعُ جرارٍ‏
فَمِلْ نحوها!‏
مثلما طائرُ الصُّبْحِ‏
واسْقِ فؤادكَ ماءً حلالاً!‏
فسبعُ جرارٍ يزغردنَ في زرقةِ الحبرِ‏
فوقَ بياضِ القصيدةِ‏
مِلْنَا إلى فِيْكَ‏
والشّعرُ معنىً رحيبُ .‏
فَنلْ ما تشاءُ من الطَّلْعِ!‏
وانضحْ بنبعكَ!‏
إنكَ قمحٌ‏
وبذرةُ روحِكَ‏
شهوةُ صلصالةٍ للتفتُّحِ‏
لامَسَهَا في الغداةِ هبوبُ .‏
***‏
على النهرِ ترعى الأيائلُ‏
حتى المغيب..‏
وتبقى ثيابُ الطفولةِ عائمةً‏
كرسائلِ طفلٍ من اللوزِ‏
سِرِحَهَا في الصباحِ غناءُ .‏
وَطَيْرٌ لروحِكَ حَلّقَ في الصبحِ‏
مثلَ الإوزّاتِ‏
فاكسرْ ثلاثَ زجاجاتِ حبرٍ!‏
على رِعْشَةِ الماءِ‏
وارفعْ يديكَ!‏
لتأتي الحبيبةُ حينَ تشاءُ.‏
لها.. للخزامى على راحتيها‏
لطفلِ الغزالةِ يشردْ خلفَ الطفولةِ‏
وهي تغنِّي ،‏
لدقِّ النواقيسِ في العيدِ..‏
هذي الضفائر تتركها‏
للهديلِ النساءُ.‏
***‏
إلى النهر‏
تأتي الحبيبةُ كيما تزوّجَ‏
للقمحِ ناهَدَهَا الغضّ‏
قبلَ صعودِ الحليبِ إلى حَلْمتيها‏
وتُرخي جديلتَهَا لحفيفِ العنبْ.‏
وتلهو مع الصيفِ‏
مثلَ عروس البحيراتِ‏
فاردةً ثوربها فوقَ حقلِ الذهبْ.‏
***‏
على النهرِ‏
تنصتُ سنبلةٌ للغيابِ‏
وتسبلَ أجفانها للعتابا..‏
وليسَ لها غير هذي الحساسين‏
تبكي إليها،‏
تحكُّ يديها‏
وتبني على شَعْرها خيمةً من قصبْ.‏
***‏
على النهر يرتحلُ العندليبُ الوحيدُ.‏
***‏
على النهر‏
يرتجلُ القمحُ موّالَ عاشقةٍ لتنامَ‏
فسيرقها من صداها النشيدُ..‏
وتولدَ أنثى الأغاني‏
ميممةً روحها للحفيفِ‏
فيشرقُ كأسٌ،‏
ويشرد نايٌ،‏
وينأى البعيدُ.‏
***‏
على النهرِ تمشي الحمامةُ‏
مثلَ الرسولةِ‏
والماءْ يرخي قميصَ نبوتّها‏
فوقَ حقلِ الصلاةِ‏
فتَحْدُو السماءُ على جرسِ الغيمِ‏
والغيمُ زاجلُ أرواحنَا‏
كلّما انفردَ النايُ بالحزنِ،‏
وامتدّ في شجرِ الليلِ عُوْدُ .‏
***‏
على النهرِ يرتحلُ العندليبُ الوحيدُ‏
إلى البيلسانْ.‏
***‏
على النهرِ تجلسُ راهبةُ القمحِ‏
مثلَ السحابِ‏
فيسقطُ في الماءِ ريشُ طفولتها‏
كالمناديلِ بيضاءَ.. بيضاءَ..‏
والحزنُ يَرْجِعُ بعدَ المساء‏
ليبكي على روحهِ‏
فوقَ صَدْرِ الكمانْ! .‏
***‏
على النهرِ يصبحُ اسمَ الصبيّة‏
طيراً‏
يُحلّق فوقَ الشآمِ‏
ويصبحُ ضلعُ الخطيئةِ أرملةَ للغريبِ‏
فينذرفُ الدّمعُ فوقَ خَلاءِ الطريقِ‏
من السنديانْ.‏
***‏
على النهرِ راهبةَ القمحِ‏
تومئَ للقبّراتِ‏
فتأتي رفوفاً، رفوفاً‏
وينفرطُ اللحنُ من جُرْحِ رابيةٍ،‏
ويموّتُ راعي الأيائلِ أغنيةَ النايِ‏
فوقَ الصخورِ فيبكي لها‏
عاشقانْ! .‏
***‏
على النهرِ قلبٌ فقيرٌ يحبُّ‏
وقلبٌ رفيقٌ يَشفُّ‏
وقلبٌ حزينٌ يحدقّ في الأقحوانْ! .‏
***‏
على النهرِ‏
يغمرُ سَاْقَ الصبيةّ ماءٌ‏
فتتركُ أجراسَهَا للغناءِ الأقلْ.‏
.. تميلُ مع الموجِ شيئاً فشيئاً‏
إلى أنْ يلامسَ موجُ الصبابةِ‏
أثداءها بالحفيفِ‏
فيطفرْ رفُّ الحجلْ.‏
***‏
على النهرِ تسرحُ شبّابةٌ للغناءِ‏
وتتركُ عاشقةٌ شَعْرَها للهديلِ‏
فنقّلْ على النايِ أنملكَ العشرَ! ،‏
واعفقْ على العودِ لحنَ الهدَلْ! .‏
***‏
على النهرِ تخلو إلى حزنها الروحُ‏
والريحُ تخطفُ شاْلَ الصبيّةِ للأرزِ‏
فابصمْ على اللوزِ سبعَ أناملَ بيضاءَ!،‏
وانقشْ على الشالِ زَهْرَ العَسَلْ! .‏
***‏
على النهرِ تمشي الحمامةْ مثلَ امرأةْ..‏
فَيَنْهَدُ مزمارُ راعٍ بعيدٍ‏
على رَبْوُةِ الفجر..‏
يطفرُ طيرُ البكاءِ..‏
يشفُّ رفيفُ البراءةِ في الحزنِ‏
وَجْهَ النساءِ..‏
وتترك أرواحها للرفيفِ القبلْ.‏