هديل وأمومة القمح - طالب همّاش

ويرتفعُ النايْ‏
-طائرْ حزنِ الثلوجِ-‏
على راحةِ الموتِ‏
مثلَ وداعِ المواويلِ!‏
ماتتْ هديلْ!!‏
ولَمْ تمشِ بعدَ على شارعِ العمرِ..‏
لَمْ يرجعِ الطيرُ من آخر الصيفِ‏
كيما يعلْمها الطيرُ كيفَ تطرّزُ‏
سرَّ أنوثتها في حنانِ المناديلِ‏
ماتتْ هديلْ!!‏
ولم يكبر الغيمُ بعدُ‏
لتسقي جرارَ الطفولةِ بالحبرِ‏
وَهْيَ تؤلّفُ للعشقِ‏
أحلى المواويلِ..‏
كيفَ نودّعُ جثمانها الغضَّ‏
وهو يحدقُ مثلَ أبي الهولِ‏
في زرقةِ النيلِ؟!‏
كيفَ نودّعُ أهدابَهَا؟‏
دونَ أنْ يبلغَ القمحِ‏
عُمْرَ الحفيفِ على ركبتيها‏
هديلُ الأحنُّ على البحرِ‏
من غَيْمَةٍ في الأصيلِ!!،‏
القطا قبلَ أنْ يترهَّبَ خلفَ البحيراتِ،‏
أيقونةُ الدَعَوَاتِ‏
التي ذَهَبَتْ للصلاةِ‏
وأخَّرَهَا البيلسانْ!!‏
هديلُ التي اقتربتْ كالأباريقِ‏
من نَبْعَةِ الحزنِ‏
فانجرح الماءُ تحتَ يديها‏
وحطَّ على صَدَرَها‏
بلبلُ الموتِ قبلَ الأوانْ!!.‏
كأنَّ الطيورَ التي أطلقتها على الصبحِ‏
مالتْ على النهرِ‏
كيما تموتَ!!‏
كأنَّ الرياحَ التي سَرَقَتْ شَعْرَهَا‏
للحفيفِ‏
استحالتْ إلى حَسْرَةٍ‏
خلفَ شمسِ الخريفِ!!‏
وهرْتْ دموعُ البكاءِ على المَعْمَدَانْ!!‏
هي الآنَ خلفَ الكرومِ‏
تعلّمُ ألعابَهَا الرقصَ‏
أكثرَ من مرةٍ شاهدتها الينابيعَ‏
ترفعُ سَبْعُ أغان على راحتيها‏
وتومئُ مثلَ المغنْي لسربِ الحمامِ‏
فيشردُ في اللحنِ رفُّ الزرازيرِ..‏
أكثر مِنْ مَرَّةٍ شاهدتها المناديلُ‏
قبلَ الغروبِ‏
تُرَاسلُ حزنَ العصافيرِ!‏
تملأُ أحزانَهَا حنطةً‏
وتمرُّ براحتها فوقَ قلب الفقيرْ!‏
هي الآن دفترَ رسمٍ صغيرْ..‏
يحاولُ أن يتصوَّرَ مثلَ الحمامةِ‏
في النهرِ،‏
مثلَ الغزالِ الجميلِ..‏
هديلُ الصغيرةُ‏
شَبَّ على عمرها القمحُ‏
قبلَ الحصادِ،‏
بنى طائرُ النهرِ عشّاً على شُعْرَهَا‏
في الخريفِ‏
فمالتْ مع الريح مثلَ عذابِ المزاميرِ!!‏
تَنْهَدُ شَجْرَةُ أرزٍ‏
على صدرِهَا،‏
وتُعَلّقُ صبّارةٌ من دموعٍ‏
على راحةِ الموتِ‏
مثلَ وداعِ المواويلِ!!‏
ماتَتْ هديلْ!‏
السحابُ الأخيرُ منَ العمرِ،‏
دربُ الإوزِّ إلى النبعِ،‏
آخرُ أغنيةٍ لحّنتها على الحَوْرِ‏
أنثى النواعيرِ..‏
واأسفاهُ!! هديلُ التي‏
زوّجتْ قلبَها للغيومِ‏
وصارتْ جراراً من الدمعِ‏
مملوءةً بالخريرْ!‏
فقولوا لجدتَّها‏
أنْ تعمِّرَ أنصابَ وحشتها‏
آخرَ الصيفِ!‏
قولوا لخالتها‏
أن تنصِّبَ فزّاعةَ الحورِ‏
خلفَ السياجِ،‏
وللقمحِ أن يتموّجَ خلفَ الحواكيرِ..‏
قولوا لتلكَ الغيوم التي‏
تتشاجرُ في الأفقِ‏
أن تهدأَ الآن!‏
غابتْ هديلَ ولكنْ إلى حين..‏
طفلُ الصباحِ رآها‏
فرافقها نحو قصرِ الثلوجِ..‏
دَعَتْهَا الغزالةُ للنبعِ‏
كي تتأمّلَ عذريَّةَ الماءِ في وجهها،‏
وتُخَصِّلَ أهدابَهَا من حفيف الرياحينِ‏
لا تحسبوها(...)‏
رأتْ في الغيابِ لفيفَ بلابلَ زرقاءَ،‏
أجراسَ بيضاءِ،‏
سربَ عصافيرَ من ليلكٍ وغناءْ..‏
فغابتْ وراءَ البساتينِ‏
سوفَ تعودُ مع النهرِ يوماً‏
فألعابها لَمْ تنمْ بعدُ ...‏
فُلَّتُهَا ما تزال إلى الآن‏
ترسمُ أفواهُهَا قبلاتِ الهواءْ،‏
وسَرْوَتُهَا تُرْضعُ الغيمَ في السَّفْحِ‏
سوفَ تعودُ معَ النهرِ.. .‏
قامَتُهَا أرزةْ تائبهْ،‏
شَعْرُهَا القرويُّ يموّج أشعارهُ في الحقول‏
هديلُ شقيقةُ حزنِ الجداولِ،‏
رَجْعُ الحفيفِ على صخرةِ الروحِ‏
أنثى البحيراتِ‏
لكنها غائبهْ! .