لاميّة لليأس - طالب همّاش

لكأنَّ ليْ لاميّةً لليأسِ‏
في هذا الحدادْ!‏
* * *‏
لكأنَّ لي منحونةً للحزنِ تشبهني،‏
وتشبهُ عزلتي في الليلِ‏
أجثمُ قربها كالبومِ منتظراً‏
عذاباتِ السوادْ!‏
* * *‏
منحوتةٌ للحزنِ‏
تبكيني فأبكيها‏
وترثيني فأرثيها..‏
نعانقُ بعضنا بعضاً،‏
لتحتملَ الكهولةُ يأسنا العالي‏
ونغرقُ في الكآبةِ والرمادْ!‏
* * *‏
يا ليلُ فانحتْ لي بقلبكَ إخوةً‏
كي يؤنسوني!،‏
هيكلاً للذئبِ‏
كي يبكي على تيني وزيتوني..‏
أباً.. لأقولَ يا أبتي قليلُ!‏
الريحُ خلف الريحِ...‏
والناياتُ كالناياتِ..‏
لكن ليسَ يكفينا هديلُ.‏
نحنُ المواويلُ التي مرّتْ ببالِ الليلِ‏
من بعدِ الدموعِ‏
وراحَ يُصديها النخيلُ.‏
لكأننا والحزنُ في أرواحنا نَحْتٌ عراقيٌّ‏
لتمثالِ الغريبِ المرِّ‏
ينحتنا الرحيلُ!‏
وكأنني والروحُ مفردةٌ‏
على قبرِ الهديل‏
جبلّةُ الآلامِ في هذا العذابْ!‏
* * *‏
يا ليلُ فانحتْ لي بقلبكَ إخوةً‏
كي يؤنسوني في الغيابْ!‏
واحفرْ على الصلصالِ‏
شكلَ شقائيَ المشؤومَ‏
حزني غائصٌ في الطينِ..‏
في جسدِ السآمةِ واليبابْ!‏
* * *‏
فأنا رهابُ اليأسِ‏
يشنقني سوادي‏
فوقَ أضرحةِ الخرابْ!‏
وأنا الأخُ الثاني لأرملةِ الغرابْ.‏
* * *‏
أبكي على نفسي فلا تبكي بحمّاها عليّْ!‏
وأدقُّ أبوابَ القبورِ‏
فلا يجيبُ ندائيَ المبحوحَ‏
من قبرٍ نبيّْ‏
* * *‏
وأقومُ أرثيهمْ‏
وأشعلُ طائرَ الفينيقِ خلفَ غيابهمْ‏
فلعلّهمْ يأتونْ.‏
وأصيحُ فوق ضريحهمْ كي (يسمعونْ).‏
لكنما أحزانهم‏
هيَ من تغلُّ يديْإليّْ.‏
* * *‏
يا أختي المنحوتةَ الثكلى‏
كأنَّ الروحَ تضربُ في فلاةِ الموتِ‏
هائمةً على أحزانها‏
والحزنُ يطعنُ في كهولةِ نفسهِ‏
الثكلى.. ليشنقهُ الندمْ.‏
* * *‏
وكأنَّ أحزانَ الخليقةِ كلّها شاختْ‏
وأدركها الهرمْ‏
* * *‏
فجمعتُ أصداءَ المواويلِ العتيقةِ‏
من مراثيها،‏
وماءً من مباكيها‏
وحين تقمّصتْ روحي كهولةَ شؤمها‏
نصّبتُ بالفخّارِ مريمها على عرشِ السوادْ!‏
* * *‏
ووقفتُ قربَ نحيبها‏
فزّاعةً لليأسِ في هذا الحدادْ!‏
* * *‏
وقعدتُ أبكي حذوَ نفسي‏
صائحاً أبتي، أبي:‏
خذني معكْ!‏
لأشيلَ موتكَ راضياً‏
أن أتبعكْ!‏
لو أنتَ تعرفُ أن طفلكَ‏
في زمانِ اليأس‏
حاملُ مقتلكْ!‏
أنتَ الذي حينَ اقترفتُ‏
خطيئةَ الأشعارِ من بؤسٍ هلكْ!‏
لو كنتَ تعرفُ يا أبي‏
-إن نامَ قلبي قربَ فاختةٍ‏
ليبكي ما مضى-‏
ما أجملكْ!‏
* * *‏
حفرٌ على الفخّارِ هذا اليأسُ‏
والأحزانُ نَحْتٌ بالأظافرِ‏
في جدارِ الليلِ‏
من يبكي لأقعدَ قربهُ؟‏
وأقولَ يا أبتي غبارٌ في غبارْ:‏
ندمي غبارٌ..‏
شؤمُ غرباني غبارٌ..‏
نأمةُ الحبِّ الصغيرةُ في فؤادِ صبيّةٍ..‏
قمرُ العشيّةِ فوقَ صحنِ النبعِ..‏
رائحةُ الحليبِ على شفاهِ الطفلِ..‏
أوّلُ قبلةٍ في الحبِّ‏
آخرُ نظرةٍ في العشقِ‏
كلّهمْ غبارْ!‏
* * *‏
وأنا وحيدكَ يا أبي،‏
وقريبُ روحكَ،‏
والذي يبكيكَ عندَ الجامعِ الأمويِّ‏
آخرةَ النهارْ!‏
* * *‏
وأنا الذي يندسُّ كالظلماءِ‏
في جوفِ الجرارِ‏
إذا بكى في العالمينْ!‏
* * *‏
قلبي طواحٌ أرمنيٌّ خالصُ الأحزانِ‏
ينبضُ بالنواحِ المرّ في الآحادِ‏
فانحتْ هيكلاً للذئب يا أبتي‏
ليحرسَ هيكلي المجبولَ من خمرٍ وطينْ!‏
* * *‏
وارفعْ غناءكَ من ضياعي!..‏
كيفَ يتّسعُ الفؤادُ لكلّ هذا الحزنِ؟..‏
وا أسفاهُ..‏
لم يتبقّ غيرُ روائحِ الأيامِ‏
والناي الذي يرثي زماناً ضاعَ مغربُهُ..‏
ويبكيهِ بكاءَ الفاقدينْ.‏
وسمعتُ أجراسَ الفراقِ‏
وراءَ ظهركَ يا أبي‏
تنعى الأحبّةَ في ظلامِ الليلِ‏
: لم يأتوا، ولن يأتوا.‏
* * *‏
شاختْ حجارةُ قبركَ السوداءُ يا أبتي‏
وإني كالليالي السودِ‏
أغزلُ وقتيَ البالي،‏
وأسهرُ قربَ قبركَ حارساً‏
ما يحرسُ الصمتُ.‏
* * *‏
وأنامُ ملءَ الليلِ‏
تحتَ سكينةِ الأسلافِ قدّيسا‏
ويغفو قربيَ الموتُ!‏
* * *‏
لكأنني صَنَمٌ لشخصِ الموتِ‏
نصّبني الفراغُ على طريقِ الليلِ‏
انظرُ في جمالِ هلاله المعبودِ‏
مذهولاً،‏
وأصرخُ من أنا؟‏
من يحرسُ الأشباحَ من شؤمي هنا؟‏
أم لستُ حيّاً.. لستُ ميتاً‏
لستُ إلا وحشة يبكي على أبوابها‏
الوقتُ!‏
* * *‏
يا توأمي الطينيّ، يا بنَ خطيئتي‏
يا أختي المنحوتة الصمّاء‏
من يبكي علينا‏
موتنا أم وقتنا الميتُ؟‏
* * *‏
أم أن هذا العمرَ أجراسٌ على الأجراسِ..‏
أبوابٌ على الأبوابِ‏
في مدنِ السرابْ؟‏
* * *‏
أم أنني فزّاعةٌ محشوّةٌ بالقشّ‏
في حقلِ الخرابْ؟‏
* * *‏
أبتاهُ.. يا أبتي‏
توخّى وحشتي!‏
فأنا غرابُ اليأسِ مشنوقٌ‏
على حبل الغياب!