سبحان كل حمامة بيضاء - طالب همّاش

للقلبِ غيمٌ عابقٌ بالدمعِ‏
للتفاحِ شهوة طفلةِ الأسرار‏
فتَّحَ حزنُها عن نرجسٍ‏
وانهلَّ دمعُ اللوزِ فوق محارمِ الغيَّابِ‏
لا ترمي محارمكِ الحزينةَ يا صبيَّةُ‏
في غيابيّ!‏
والصبيةُ روحها كأسٌ‏
يشفُّ براحتيْ حزناً سماوياً،‏
وشمسُ.‏
وحفيفُ أغنيةٍ يرجِّعُ هَدْيَهَا‏
في الروحِ قيسُ.‏
دقّي على شباكنا العالي‏
ليفتحهُ الظلامُ!‏
وتأمّلي قمراً حجازياً‏
يسافرُ في الفضاءِ الطلقِ قدّيساً‏
ليألفكِ الغمامُ!‏
هل أنتِ زيتونٌ يضيءُ بحزنهم ليلاً،‏
أمِ الإبريقُ يسجدُ في أذانِ الفجرِ،‏
أمْ أنثى يزاجلها الحمامُ؟‏
للقلبِ غيمٌ عابقٌ بالدمعِ..‏
مئذنتانِ للعشاقِ..‏
كأسٌ سارحٌ في حزننا المنسابِ..‏
ريحانٌ شآميٌّ لأهدابِ الحبيبةِ‏
يستحيلُ إلى هديلْ.‏
أنثى من القمحِ المذهَّبِ‏
صادقتْ في الموسمِ الورديِّ‏
عطاراً،‏
وغيباً غارقاً في الزنجبيلْ.‏
فتفتّحَ الرمانُ من أثدائها زهراً‏
ومسَّ بصبوةِ الأعراسِ أضلعها‏
الغناءُ السلسبيلْ.‏
يا دهشةَ الكوزِ المكوّرِ‏
في أفاريز الغيابِ!‏
بكيتُ عندَ الفجرِ أن توحي إليَّ‏
حمامةُ الأريافِ‏
قنديلاً بداخلهِ تصلي مريمُ العذراء‏
ساجدةً كحبَّةِ لؤلؤ...‏
وبقربها ناي مكسَّرةٌ‏
وجيتارٌ قتيلْ.‏
هل مريمُ القمر الذي تركوهُ‏
فوقَ بداوةِ الدنيا‏
لنتبعَ حزنَهُ كالأنبياءْ؟‏
هل مريمُ الدمعُ الذي ذرفوهُ يوماً‏
حينما اكتشفوا البكاءْ؟‏
سبحانَ وجه حبيبتي المغسولِ بالنعناعِ‏
يفلتُ طائرٌ من روحها‏
ليحطَّ في روحي‏
ويبدأَ بالغناءْ.‏
سبحانَ كلّ حمامةٍ بيضاءَ‏
طارتْ بالهديلِ إلى أقاصي الروحِ،‏
تحملني إلى قمرِ الطفولةِ...‏
يا حمامةُ إنني طفلٌ حزينْ!‏
طفلُ السراجِ المشرقيّ،‏
وضوؤُهُ المكسور في شهواتِ كرمِ اللوزِ‏
ترفعني إلى محرابكِ الصوفيِّ‏
أعراسٌ من الناياتِ مغريةٌ‏
فمثلي لا يشوّقهُ غناءٌ،‏
أو يخالجهُ حنينْ.‏
إلا لبرهةِ خمرةٍ مشروحةٍ بالياسمينْ.‏
سبحانَ روحكِ حين نصبحُ عاشقينْ!‏
فتضيءُ روحينا من الأعلى "قناديلٌ"،‏
وتشرحُ حزنَنَا بالنورِ..‏
تمسحُ راحةٌ نبويّةٌ أحزاننا،‏
وتطيبُ نفسُ.‏
ويذوبُ عطرٌ بابليُّ‏
في كؤوسٍ لا تُمسُّ.‏
وتسرِّحُ العذراءُ شَعْراً رائعاً للقمحِ‏
يا جسدَ الندى المعجونِ بالتفاحِ!..‏
يا هَدَلَ الضفائرِ في براري الروحِ‏
ضيّعني حبيبيْ!‏
خُذْ قبلتي‏
وانفخْ بها في الطينِ،‏
عمّدني بمائكَ يا غريبيْ!‏
واتركْ دمي للناي،‏
واحرقني كعودِ الندِّ‏
في محرابِ روحكَ ليلةً؛‏
لأضيءَ مصحفكَ المقدّسَ...‏
زُفَّني لصبا الأغاريدِ التي‏
طارَ الحمامُ على سلالمها،‏
وطيِّرنيْ غمامهْ!‏
خذني بحزنكَ‏
واغرسِ السيفَ المذهّبَ‏
في شغافِ النهدِ!..‏
سيفكَ جارحٌ‏
يا رائعَ الطعناتِ..‏
فاذبحني بريشتكَ الحنونةِ‏
كالحمامهْ!