مرثية القرية الضائعهْ - طالب همّاش

وآتيكِ يا قريةُ الآنَ‏
من جهةِ الريحِ‏
نسراً عجوزاً‏
يمدُّ جناحيهِ فوقَ هشير الهواءِ‏
وينثرُ ريشَ كهولتهِ‏
في مهبِّ عذابكْ.‏
وآتيكِ من دكنةِ الليلِ،‏
كيما أنيخَ بكائي ببابكْ،‏
وأنزلَ عن ظهريَ السنواتِ التي شرّدتني‏
وراءَ تلالِ الغروبِ‏
ثلاثينَ مرثية عن دياركْ.‏
أما آنَ أنْ أتبعَ الغيمَ‏
خلفَ ضفائِركَ السود‏
كيما أسلسلَ خُصلاتها‏
كالسنابلِ بين يديَّ؟‏
أما آنَ لي أن أعودَ إلى طفلةٍ‏
كذّبتها المراجيحُ يوماً،‏
لأربطَ سبعَ شرائطَ خضراءَ في‏
شعرها القرويّ،‏
وأتركها كالأغاني على العشبِ‏
تتبعُ طيّارةً من ورقْ؟‏
أما آن أنْ أترنّحَ في الريحِ‏
مثلَ عريشِ الحبقْ؟،‏
وأسألَ عن ذلكَ الطفلِ‏
كي أتأمّلَ آثارَ خطوتهِ في الترابِ،‏
وأبحثَ عن ثوبِ دميته الخشبيّةِ‏
بين بقايا الخرقْ!‏
أما آنَ لي أن أعودَ صغيراً‏
على درجِ الدارِ؟‏
كي أتسلّقَ أشجارَ جدّي القديمهْ،‏
وأبني لروحيَ عشّاً عليها‏
فأخلدُ للنومِ..‏
أجمعُ ضحكَ العصافيرِ من شجرِ اللوزِ،‏
أركضُ خلفَ الحساسينِ‏
كيما أسابقَ خالدْ..‏
فيسبقنا القمحُ‏
تسبقنا قبراتُ الحواكيرِ...‏
ما أجمل القمحَ حين يصيرُ ممرّاً لأعمارنا المشتهاةِ،‏
ومئذنةً للنواطيرِ!‏
ما أجملَ الغيمَ حين يسابقُ أعمارَنا‏
ويطير....‏
ركضنا وراءَ الغيومِ إلى أن تعبنا‏
رأينا على ضفةِ النهرِ نفسَ الصبيّةِ‏
تغسلُ فستانها في الصباحِ‏
وتنشرُ فوق حبالِ الغسيلِ‏
مناديلَ من سوسنٍ ويمامْ.‏
رأينا الصبيةَ تمشي على الماءِ‏
مثل إوزّةِ ثلجٍ على غيمةٍ‏
من هديلٍ حنونٍ‏
دعونا أنوثتها كالغزالةِ للحبِّ‏
فابتكرَ اللوزُ سكّرةً ثم ذابْ.‏
سألنا الطفولةَ عن اسمها،‏
وسألنا صغارَ العصافيرِ..‏
كان لها جسدٌ جارحُ الحزنِ‏
تهدلُ فيه حِمائمُ مكويّةٌ بالدموعِ،‏
وقلبٌ يدقُّ كرمّانةِ الشهواتِ‏
على صدرِ قيثارةٍ في الغروبِ،‏
وحزنُ غمامهْ!‏
تغنِّي لأولِ ريحانةِ لمستْ أنوثتها بالعبيرِ..‏
وزهرةُ قطنٍ تشبُّ إلى صدرها‏
كاليمامهْ!‏
كأنَّ الأنوثةَ ماءٌ‏
يذوبُ على جدولِ الدمعِ‏
كيما نظلَّ نتوقُ إليهِ،‏
ونتبعهُ بخناجرِ أحزاننا،‏
وسيوفِ الندامهْ‏
رأينا الصبيةَ في ضفةِ النهرِ شاردةً كالحمامهْ!‏
فرحنا نعمّرُ أشواقنا للنساءِ،‏
ونرمي على النهرِ أحجارَ أعمارنا‏
قبلَ أن يتراءى لنا الحزنُ‏
خلفَ رحيلِ الغيومِ كأيقونةٍ من حنينْ‏
كأنِّي بهمْ رحلوا مفردينْ!‏
أيا قريةَ الضائعينَ‏
حننتُ إليهمْ،‏
لمحراثِ أحزانهم في الخريفِ،‏
وهم يبذرونَ دموعَ العتابَاتِ في الأرضِ،‏
للصبحِ يفرشُ أهدابَهُ البيضَ‏
سجادةً للصلاةِ.‏
حننتُ لرائحةِ التبغِ بِينَ لحاهمْ،‏
لدفءِ معاطفهمْ في الشتاءِ.‏
أيا حادي العيسِ‏
لا تقرعِ البابَ!‏
قد رحلوا مفردينَ‏
أغني لهمْ،‏
ولمن هجروا وقتهمْ‏
واستحالوا تماثيلَ‏
كيف استحالوا تماثيلَ؟‏
يا قريةَ الضائعينَ وأندلسَ الحزنِ!‏
يا صرخةَ الوعرِ في عتمةِ الليلِ:‏
رُدُّا إليَّ غريبيْ!‏
كأني غريبُ الضِّيَاعْ،‏
يتيمُ الرضاعِ‏
الذي رافقَ القمحَ نحو دموعِ الرياحينِ‏
أوّلَ مرهْ..‏
وَضَلَّ طريقَ السلامهْ!‏
كأنيَ فرخُ الحمامِ الذي طارَ يوماً‏
إلى زرقةِ الغيمِ‏
كي يتأمّلَ أنثى الغيابِ‏
وعادَ بطوقِِ الحمامهْ.‏
فأينَ الصبيُّ الذي‏
كانَ يركضُ خلفَ الفراشاتِ‏
من حقلةِ الوردِ حتى أقاصي القرى؟‏
وأينَ سعادُ التي واعدتني‏
لنحفظَ درسَ النشيدِ وراءَ حقول الذرهْ؟‏
ترى‏
ما الذي أخّرَ الطفلةَ القرويةَ؟‏
هل وجدتْ في الطريقِ حمامةَ أحزانها‏
دونَ عشٍّ‏
فراحتْ تربِّي جدائلها للخريفْ،‏
وتبكي برجعٍ حزينٍ على جثّةِ الحبِّ‏
حتى بَرَاهَا النزيفْ!!!؟‏
ترى‏
هل تناهى إليها غناءُ الجبالِ البعيدُ‏
فراحتْ مع الطيرِ ترعى أنوثَتَها‏
في مهبِّ الحفيفْ؟‏
أنا الضائعُ الأبديُّ‏
سآتيكِ يا قريةُ الآنَ مكتئباً‏
لأكرِّرَ كالزَّمرِ‏
رَجْعَ المواويلِ في دربِ وحشتكِ المرِّ‏
أو أتمايلَ كالغيمِ فوقَ سهولِ هضابكْ.‏
وأسألُ عن شتلةِ الأقحوانِ‏
التي سرقتها الأناشيدُ من دفترِ النومِ يوماً‏
فصرتُ شهيد غيابكْ.‏
وأسألُ نفسَ السؤالِ القديمِ‏
أما زلتِ أمّاً لتلك الصَّبيَّةْ؟‏
أما زلتِ تنتظرينَ على البابِ عودتها‏
من شمالِ الحقولِ؟‏
لأجعلَ مرآتَهَا الغيمَ،‏
والنرجسَ الانكسارَ اليتيمَ لأهدابِها السودِ..‏
كانتْ أقلَّ من الشمسِ حزناً‏
على شاطئِ البحرِ،‏
أجملَ من نجمةٍ تتأوّهُ في الظلمةِ النائيهْ!‏
إذن أخبروها:‏
بأنَّ الحفيفَ الذي هَبَّ يوماً على‏
ردهةِ الروحِ‏
لا زالَ أجملَ مابيَ،‏
أنَّ رياحَ الشمالِ التي شرّدتني‏
غدتْ واهيهْ!!‏
أنا الراحلُ اليومَ أنظرُ خلفي‏
فأشعرُ بالدمعِ!!‏
أسمعُ تنويحةَ الحورِ في باحةِ الدارِ،‏
أسمعُ حزنَ الجرارِ‏
التي تتأمّلُ كأسَ الفراغِ المكسّرَ‏
أَنْحَلَ جسمي فراقُ الأحبِّةِ!‏
أكثرُ من قريةٍ وجدتني وحيداً على الدربِ أبكي!‏
فتنبحُ بضعُ كلابٍ على وحشةِ الروحِ:‏
عُدْ من هنا!‏
فأصيحُ على الليلِ من سفحِ عمريَ:‏
وَاضيعتاهُ البعيدة!!‏
مَنْ؟‏
(إنَّ هذا أنا)‏
عدتُ أسألُ عن ورقِ التينِ‏
خلفَ سياجِ الطفولةِ،‏
عن زكرّيا*،‏
وعن لحنِ أغنيةٍ جبليّهْ...‏
سمعتُ تلامسَ أجراسها من بعيدٍ‏
فجئتُ أَنوّمُ روحيْ على راحتيها‏
وأسألُ عن اسمِ عاشقةٍ‏
ضيّعتْ في البساتينِ خاتمَ خطبتها الذهبيّ‏
فراحَ يبادلها الصيفُ صوتَ البكاءِ،‏
وراحَ الحمامُ ينوحُ على بيدرِ القمحِ‏
حنطَتَهُ الضائعهْ!‏
فتاةٌ بخصرٍ نحيلٍ‏
بكى الماءُ في حبّها،‏
وبكاها كتابُ الأناشيدِ!‏
يا بِنْتُ لا تغسلي الصوفَ في النهرِ‏
إني حزينْ!‏
سأطعنُ نفسيْ بقربكِ‏
خفتُ..‏
رأيتُ عصافيرَ من لذّةٍ تتراكضُ في روحها،‏
والفراشاتُ تجمعُ من صدرها عسلَ الياسمينْ.‏
فتاةٌ بخصرٍ نحيلٍ‏
تردُّ إلى النهرِ زغرودةَ الحبِّ‏
ثم تراهقُ صوتَ الخريرِ أنوثتها اليانعهْ.‏
رأيتُ المياهَ تُبلّلُ سيقانها‏
بالدموعِ الغزيرةِ،‏
والموجَ يركضُ تنهيدةً إثرَ تنهيدةٍ‏
عندَ شطِّ الغيابِ!‏
رأيتُ وراءَ البحيرةِ مملكةَ الطائرِ الطلقِ‏
مثلَ إلهٍ مِنَ الدمعِ يغفو على قدمٍ واحدهْ!!‏
تنادي عليه:‏
(أبو سَعْدُ)*.‏
يا ثاكَلَ النهرِ خذني‏
لأسرحَ في زرقةِ الحزنِ مثلَ (العروسةِ)‏
وافردْ جناحينِ من لوعةٍ وعذابْ!‏
(أبو سَعْدُ)*. غابَ الأحبّةُ‏
: مازنُ ماعادَ يسرقُ بطّيخةً من حقولِ المغيبِ‏
ويشردُ في الوعرِ حرّاً، شقيّاً،‏
حزيناً كأغنيةٍ في كتابْ!‏
وأما أنا‏
فرحلتُ أجرُّ الربابةَ خلفي‏
وأجمعُ من طرقاتِ الحياةِ دموعَ الهديلْ!‏
(أبو سَعْدُ) غابَ الأحبّةُ‏
كلُّ الأحبةِ غابوا!‏
وغابَ (أبو طالب)* المستحيلْ!!‏
فما عادَ يرفعُ في مغربِ الفقراءِ أذانَ العشاءِ،‏
وما عادَ يرفعُ أطيبَ أصواتِهِ ويغنّي‏
على صخرةِ الليلِ‏
بُحَّتْ ربابتهُ.‏
وجفَّ رنينُ أناملهِ الخمس فوقَ الرسائلِ‏
ماذا أصابَ الحياةْ؟‏
أيا قريةَ الضائعينَ وأندلسَ الذكرياتْ!‏
سَمِعْنَا عتاباتِهِ تتنهّدُ قبلَ الغروبِ‏
مكسّرةً كسيوفِ الرحيلِ‏
فماذا أصابَ الحياةْ؟‏
لما تُسقطونَ حمائمكمْ قرب ذاكرتي يا حداةُ؟‏
وترمونَ قلبي على قمرٍ في أقاصي النخيلْ!‏
لماذا تنامونَ قبلَ انتهاءِ الحكايةِ؟‏
لا تتركوني جريحاً بغربتكمْ!‏
وخذوني إلى قريةٍ من هلاكْ!‏
أبي إنَّ قلبي يراكْ!‏
تدبُّ على الغيمِ‏
مثلَ هلالٍ من الحزنِ‏
والمشرقُ الأبديّ يردّدُ من شرفةِ الصبحِ‏
رَجْعَ غناكْ.‏
حزينٌ كضلعِ الأمومةِ،‏
كهلٌ كقوسِ الربابةِ،‏
طفلٌ يغازلُ باللوزِ وَهْمَ الملاكْ.‏
كأنكَ أيوبُ في مشرقِ الأرضِ،‏
نادلُ حزنِ الخريفِ،‏
ضريحُ الحفيفِ الذي‏
راحَ يسقطُ أيلولَ في لجّةٍ من ألمْ!‏
كأنكَ غيمُ الشتاءِ‏
الذي كلما فَطَرَ الهمُّ قلبيَ‏
راحَ يمطّرُ فوقَ جذوعِ الحواكيرِ‏
دمعاً ودمْ!‏
كأنكَ يا أبتي في غيابكَ‏
أيقونة من نَدَمْ‏
أما كنتَ تعرفُ أن (أبو سَعْدَ)‏
يولدُ مثلَ دموعِ الأغاني من النايِ؟‏
يولدُ من شهوةِ في أسايْ!‏
أنا الراحلُ اليومَ‏
يعبرُ رفُّ الحمامِ فأبكي!‏
وتذهبُ بيضُ الصبايا إلى عرسهنَّ‏
فتنشقُّ من صدري مئذنةٌ للزغاريدِ،‏
يهتزُّ غصنُ صبايْ..‏
فكيفَ سأتركُ كلَّ صبايا الغناءِ‏
يَمِلْنَ مع الزمرِ ذات اليمينِ‏
وذات الشمال‏
ولا أتأملُ ثوبَ الزفافِ‏
الذي راحَ يهدلُ حرّاً على شجرِ العرسِ؟‏
فالآنَ تقطرُ أرواحهنَّ عبيراً على شفةِ الروحِ‏
يا زَمْرُ مَيِّلْ صبايا الجنوبِ‏
مع اللحنِ حتى يذبنَ ومَيِّلْ!‏
ويا ليلُ لَيِّلْ!‏
ويا نايُ حلِّقْ وراءَ الزغاريدِ‏
إن سعادَ تزغردُ في ظاهرِ الشامِ‏
رافعةً روحها كهلالٍ على شجرِ الرقصِ‏
يعبرُ رفُّ الزرازيرِ قامتها‏
ويميلُ إلى النهرِ..‏
يطلقُ (خالدُ) من بندقيتهِ‏
طلقةَ العشقِ في جسدِ الليلِ‏
كلُّ صدورِ الصبايا‏
يزّينها الذهبُ الغجريُّ،‏
وكلُّ الخصورِ مجرّحةٌ بالغناءِ العراقيِّ..‏
أينَ سنذهبُ يا قلبُ أينْ؟‏
سندبكُ حتى الصباحِ،‏
ندورُ بلا أيّ معنى سوى العشقِ،‏
والانتقامِ من العمرِ‏
كنا ندورُ على بعضنا في انسجامٍ‏
وحين تصيرُ سعادُ أمامي‏
أقولُ أحبكِ يا قرويّةُ!‏
رُدِّي سلامي!‏
وأقرصها كالشقيِّ..‏
قرصتُ سعادَ اليتيمةَ بالحبِّ‏
لكنني منذُ ذاك الزمان‏
عرفتُ بأنَّ الحبيبةَ ليست سوى‏
نقراتِ الضياعِ على وترِ الروحِ،‏
والإنتحابِ المريرِ لحبٍّ فقدناهُ!‏
ليست سوى همساتِ القصيدةِ‏
قبلَ وصولِ الصدى للأَواهِ!،‏
وتفاحةٍ ساقطهْ من غصونِ الحياهْ.‏
وأن عيونَ النساءِ الجميلةِ‏
أسماؤنا الضائعه‏
في المتاهِ..‏
وخوخُ الحياةِ الأحبّْ.‏
... عرفتُ بأنَّ (العروسةَ).‏
أولُ زغرودةٍ أطلقتها القرى‏
باتجاهِ العنبْ..‏
لتخطبَ ودَّ النواطيرِ،‏
أنَّ سعادَ تنهُّد رفِّ اليمامِ الذي‏
لا يزوّجُ إلا حنينَ البيوتِ إلى أهلها،‏
ويطيرُ على شجرِ العمرِ مثلَ ملاكِ التعبْ.‏
فقلتُ أحبكِ يا قرويةُ لكنه الحزنُ..‏
تأخذُ بالرقصِ..‏
ترفعُ عازفَ نايٍ على كتفيها‏
وترقصُ مثلَ طيورِ الليالي‏
على سهرِ الصيفِ...‏
تعلو يداها إلى ذروةِ الرجزِ المغربيِّ ملوحةً بالمناديلِ‏
مال على جسمها الزمرُ،‏
والطبلُ يركضُ خلفَ المواويلِ...‏
لَفَّتْ محارمَ حبيِّ على خصرها‏
ثم راحتْ تحلّقُ مثلَ الأغاني‏
أواهِ لقد أقفلَ العرسُ أبوابهُ..‏
يذهبُ الناسُ للبيتِ،‏
والعاشقونَ إلى كوخِ أيلولَ‏
كلُّ البناتِ ذهبنَ إلى الحبِّ كلُ البناتِ‏
ولم تبقَ إلا شرائطُ عرسٍ،‏
وعازفُ زمرٍ،‏
وطالبْ.‏
نحدّقُ في الليلِ مثلَ بكاءِ الثعالبْ!!‏
وينتبهُ القلبُ‏
يا عازفَ الزمرِ أينَ سعادْ؟‏
ـ لقد حلّقتْ في الأعالي كثيراً،‏
وغابتْ على درجِ النومِ‏
وا أسفاه!!‏
ـ أعدها إليَّ بحقِّ الطفولةِ!‏
ـ ما عادَ صوتيْ ليرجعها أيها العاشقُ الطفلُ‏
ـ أين هيَ الآنَ؟‏
ـ أبصرتها آخرَ العرسِ‏
ترقصُ مثل الحمامةِ في طرفِ الغيمِ‏
بيضاءَ... بيضاءَ‏
ناديتها يا سعادُ ارجعي!‏
لم تجبني‏
أواهِ كأنَّ النساءَ مرايا‏
نحدّقُ فيها لنبصرَ أحوالَ أرواحنا في الخريفِ!!،‏
لنبصرَ أوراقَ صفرتنا تتساقطُ من شجرِ التوتِ‏
كالذكرياتِ‏
فكلُّ النساءِ يرحنَ مع النهرِ يوماً‏
ويرجعنَ مثل الجرارِ على شارعِ الصيفِ‏
ضاعتْ سعادْ!‏
وضاعتْ بناتُ الطفولةِ كلُّ البناتْ!!‏
وظلُّ (أبو سَعْدُ) خلفَ البحيرةِ‏
مثل إلهٍ من الدمعِ‏
يغفو على قدمٍ واحدهْ،‏
ويردّدُ ماذا أصابَ الحياةْ؟‏
أيا قريةَ الضائعينَ‏
وأندلسَ الذكرياتْ!..‏
* أبو سعد: تسمية باللهجة المحكية.‏
* تطلقُ على طائر البجع في الريف السوري.‏
* أبو طالب: والد الشاعر.‏
* خالد، مازن، سعاد: أصدقاء الطفولة.‏
*****