على أطلال الجزيرة العربية - بدوي الجبل

عفت الديار و أنكرت قصّادها
حيّا الحيا تلك الديار و جادها

أبلت بشاشتها الخطوب و أقصدت
فرسانها و تخرّمت أجوادها

و أباد فتيتها الزمان و طالما
مرّ الزمان بفتية فأبادها

هي حسرة فازدد و أنت أخو هوى
حقّ الوفاء عليك أن تزدادها

حيّيتهنّ منازلا مهجورة
سبت المنيّة هندها و سعادها

و حبست فيهنّ المطيّ مسائلا
عن أهل ودّك نؤيها و ثمادها

و سكبت ما شاء الهوى بطلولها
حمر الدّموع . أما تخاف نفادها ؟

تلك الدموع قصيدة قد جوّدت
عيناك يوم فراقهم إنشادها

من أنّه الثكلى أخذت رويّها
و من القلوب قد استعرت مدادها

جاءت مهذّبة القوافي ما اشتكت
إبطاءها و زحافها و سنادها

فإذا تلتها العين و هي نديّة
سكر الزمان بلحنها فأعادها

الحزن أرسلها و وقّع لحنها
واختار في شوط القريض جيادها

غرّاء هذّبها و أحكم صنعها
صنع البيان فأتعبت نقّادها

الشعر ما ملك النفوس و هزّها
و أثار ثائرها الكمين وقادها

تتلو الطبيعة في الصباح قصائدا
بذّت بهنّ لبيدها وزيادها

إنّي لتطربني الحمامة أنشدت
فوق الغصون فرنّحت ميّادها

و يهزّني لحن النسيم مقبّلا
نور الخمائل لاثما أورادها

و الصبح مرّ على الربى بحنانه
فكسى بلؤلؤ دمعه أجيادها

والموج يخطب في الصخور مثرثرا
حنقا و ينقم كبرها و عنادها

و الليل غطّى في رداء سكونه
جسم البسيطة شمّها ووهادها

***

يا نفحة حملت إليّ من الربى
غبّ الرّبيع شقيقها و زبادها

أمّي الجزيرة و اسرقي من غيدها
برد الثغور على الصبا و برادها

ما للجزيرة. لا تفيق من الكرى
طلع الصباح فنبّهي آسادها

ملّ الشعوب من الرقاد و بكّروا
للطيّبات فهل تملّ رقادها

بنت الغزاة الفاتحين تحكّمت
فيها العداة و أحكمت أصفادها

ملكوا عليها الدجلتين و حرّموا
بردى وذادوا بالظبى ورّادها

و كست جنودهم العواصم فارتدّت
ثوب الحداد وودّعت أعيادها

يا للعواصم خطّة مغزوّة
ملك الغريب بياضها و سوادها

الدهر فلّ سيوفها هنديّة
بيضا و حطّم بالقراع صعادها

مدّت إلى الفيحاء كفّ رجائها
متروكة و ترقّبت إسعادها

ما أسرع الفيحاء ، لولا أنّها
طغت الخطوب فرّيثت أنجادها

و شكت لبغداد الخطوب و ما درت
أنّ الخطوب تعرّقت بغدادها

حبست مياه الرّافدين و حلاّت
عن ورد دجلة لخمها و إيادها

و يح العروبة ! حلّمت أحبابها
ريب الزمان و نزّقت حسّادها

هي جنّة ما ارتادها ذو شرّة
إلاّ و أطمع حسنها مرتادها

كالطير أسكر لحنها صيّادها
فمشى إليها بالردى و اصطادها

ذاك الجمال جنى على أبنائها
ظلما و جلّل بالأذى أحفادها

و لقد أقول لغاصبين مشوا بها
مرحا و أثقلها الشقاء و آدها

هي جذوة حاولتم إطفاءها
و الظلم راح محولا إيقادها

أقبلتم كالمرشدين و ساءكم
بعد الكرى أن تستبين رشادها

قلتم نؤيّد منعة استقلالها
لكنكم أيّدتم استبعادها

إنّ الغزالة لو ملكتم أمرها
لحبستم عن جلّق آرادها

***

يا عصبة الأمم القوية . حاذري
بأس الضعاف و حزمها و كيادها

لا تأمني بأس الأعراب إنّهم
كادت تفارق بيضهم أغمادها

و كأنّني بالصيد من أمرائها
يوم الحميّة أنكرت أحقادها

و كأنّني بالتاج ألّف شملها
نظما و لمّ نثيرها و بدادها

هلّلت للنشء الجديد و قد مشى
يصلى الحياة و حربها و جهادها

و خشعت للنشء الجديد و قلت ذا
جند الشام فمن يطيق جلادها

حيّيت فيه حماتها أبطالها
يوم النزال كماتها قوّادها

تلك المهار و لا أكابد لوعة
إن مدّ في عمري شهدت طرادها