من كسعد ؟ - بدوي الجبل
سأل الصبح عن أخيه المفدّى
                                                                            أيّها الصبح لن تشاهد سعدا
                                                                    غيّب الدّهر من سيوف نعدّ
                                                                            مشرفيّا حمى وزان معدّا
                                                                    كلّما عارضوا الصّوارم فيه
                                                                            كان امضى شبا و أصفى فرندا
                                                                    ***
                                                                    حاسنوا غرّة الصباح بسعد
                                                                            فعلمنا أيّ الصباحين أهدى
                                                                    طلعة تفرح العيون و تسبيها
                                                                            و تغزو القلوب كبرا و مجدا
                                                                    و حديث كأنّه قطع الروض
                                                                            تنوّعن أقحوانا و وردا ....
                                                                    بدعة الظرف و الأناقة يرضيك
                                                                            دعابا عفا و يرضيك جدّا
                                                                    تنهل العين من بشاشة سعد
                                                                            ريّها و العيون تروى و تصدى
                                                                    الحضارات في شمائل سعد
                                                                            إذا سمته الهوان تبدّى
                                                                    مترف في رجولة و اعتداد
                                                                            راع زيّا و راع وجها و قدّا
                                                                    زعم الخصم أنّه مستبد
                                                                            حبّذا الحكم عادلا مستبدّا
                                                                    إنّ شرّ الأمور ظلم الجماهير
                                                                            و أهون بالظلم إن كان فردا
                                                                    ***
                                                                    من كسعد و للشباب هواه
                                                                            قدرة تتعب الخيال و زهدا
                                                                    يا صفيّ الأحزان تسقي البرايا
                                                                            كأسها مرّة و تسقيك شهدا
                                                                    رضيت نفسك الهموم رفيقا
                                                                            اريحيّا على الشدائد جلدا
                                                                    بورك الهمّ عبقريّا جوادا
                                                                            لا كهمّ أعطى قليلا و أكدى
                                                                    قل لمن يحسد العظيم ترفّق
                                                                            إنّ خلف الأمجاد همّا و سهدا
                                                                    ***
                                                                    من كسعد الملاحم جنّت
                                                                            و تلقّى حدّ من الهول حدّا
                                                                    و على راية الشام كميّ
                                                                            يقحم الدرعين أشقر نهدا
                                                                    هتكوا حرمة العرين فهاجوا
                                                                            أسدا دامي البراثن وردا
                                                                    حشدوا جندهم و أقبل سعد
                                                                            يحشد البأس و العقيدة جندا
                                                                    ضاحك الثغر و الضحى مكفهرّ
                                                                            روّعوه قصفا و برقا و رعدا
                                                                    و التقينا لا و إيمان سعد
                                                                            ما تحدّوا بالموت إلاّ تحدّى
                                                                    ضرب الظلم ضربة رنّحته
                                                                            فتداعى مزمجرا فتردّى
                                                                    زعموا أنّه جلاء و ما كان
                                                                            جلاء بل كان خزيا و طردا
                                                                    ما على العبد أن يسوّد عار
                                                                            بدعة العار أن ترى الحرّ عبدا
                                                                    ***
                                                                    من كسعد و للنديّ احتدام
                                                                            جمرة الحرب عنفوانا و وقدا
                                                                    حمم كالجحيم مستعرات
                                                                            ردّها حلمه سلاما و بردا
                                                                    ما حملت الجراح داء ملحّا
                                                                            بل حملت الجراح غدرا و صدّا
                                                                    حزّ في قلبك الوفيّ صديق
                                                                            صار في الندوة الخصيم الألدّا
                                                                    ***
                                                                    من يهزّ النديّ بعدك بالخطبة
                                                                            عصماء تحشد البأس حشدا
                                                                    ملهم حاضر البديهة تغريه
                                                                            بأحلى ممّا اصطفى و أعدّا
                                                                    مترف الفكر و البيان غنيّ
                                                                            بالآلي يصوغ عقدا فعقدا
                                                                    يجمع الحقّ و البيان على الخصم
                                                                            فلمّا تملّك الأمر شدّا
                                                                    يطعن الطّعنة العفيفة لا
                                                                            تدمي و لكنّه أباد و أردى
                                                                    ***
                                                                    برّأ الله قلب سعد من الحقد
                                                                            وفاء للكبرياء و حمدا
                                                                    خدع الحقد أهله فهو ذلّ
                                                                            نكّروا وجهه و سمّوه حقدا
                                                                    و بنات الصدور يتعبها الذ
                                                                            لّ خفاء عن العيون و وأدا
                                                                    و القويّ النبيل يحنو على الدنيا
                                                                            و يسمو بها وفاء و ودّا
                                                                    حنّت الغوطة الرؤوم لسعد
                                                                            و رواح له عليها و مغدى
                                                                    طالما باكر الرياحين فيها
                                                                            و سقاها الندى حنينا و وجدا
                                                                    و شكى همّه فيا لك شكوى
                                                                            نوّرت في الرّبى أقاحا و رندا
                                                                    قال لي و الرّبيع غاف على الزّهر
                                                                            يذيع الأحلام عطرا و ندّا
                                                                    و الغروب النديّان في الغوطة المعطار
                                                                            يحنو على الظلال فتندى
                                                                    و قطيع من الشياه و رعيان
                                                                            و أغنّية ترقّ فتردى
                                                                    ما أحبّ الحياة في غوطة الشام
                                                                            و أفجع الموت هجرا و فقدا
                                                                    أيّ ورد للحسن تشتفّه عيني
                                                                            و يبقى بقدرة الله وردا ..
                                                                    هل رأت هذه الخمائل فبلي
                                                                            من رآها عينا و ثغرا و خدّا
                                                                    هي عندي شمائل و عطور
                                                                            و قلوب تهوى و دلّ يفدّى
                                                                    أعشق الحسن دوحة و غديرا
                                                                            و بيانا سمحا و فجرا مندّى
                                                                    ***
                                                                    ما رأى السقم قبل سعد حنانا
                                                                            و حياء من السّقام و رفدا
                                                                    كبقايا السيف اطمأنّت إلى الجفن
                                                                            و راحت تبلى الهويني و تصدا
                                                                    روعة الشمس في الغروب و لا أعشق
                                                                            للشمس عنفوانا و رأدا
                                                                    ***
                                                                    رنّح الشعر و الكريم طروب
                                                                            ذكر سعد لا يبعد الله سعدا
                                                                    و حدونا به المعاني فحنّت
                                                                            حنّة العيس بالأغاريد تحدى
                                                                    ما لسعد في الموت يزداد قربا
                                                                            من فؤادي ما ازداد هجرا و بعدا
                                                                    و إذا رفّ طيفه في خيالي
                                                                            رفّ ريحانة من الله تهدى
                                                                    أنت في خاطري و عيني و قلبي
                                                                            و على الهجر لا أرى منك بدّا
                                                                    صور لو ينال من حسنها النّور
                                                                            لكانت بنور عينيّ تفدى
                                                                    و أصون الطيوف بين جفوني
                                                                            لو تطيق الجفون للطّيف ردّا
                                                                    و أنا الصاحب الوفيّ فما خنت
                                                                            حبيبا و لا تناسيت عهدا
                                                                    لم يرعك الزّمان في حالتيه
                                                                            و تحدّيته و عيدا و وعدل
                                                                    ما وفيناك بعض حقّك فاعذر
                                                                            إنّ عذر الكريم أسمى و أجدى
                                                                    إنّ دين العظيم في كلّ شعب
                                                                            لا يوفّى و حقّه لا يؤدّى ...
                                                                    شغل الناس بالعظيم و أرضوا
                                                                            نزوات النفوس هدما و نقدا
                                                                    حسدوه على المزايا فكان الـ
                                                                            موت بين الأهواء و الحقّ حدّا
                                                                    إنّ من ينكرونه و هو حيّ
                                                                            ربّما ألهوه رمزا و لحدا
                                                                    ***
                                                                    عيّروا بالمشيب إخواني الصيد
                                                                            سفاها و هل عن الشيب معدى
                                                                    أيّ لوم على الكهول و خاضوا
                                                                            غمرات العلى شبولا و أسدا
                                                                    ما لأبنائنا تجنّوا علينا
                                                                            و غفرنا ما كان سهوا و عمدا
                                                                    أنكرونا على المشيب كأنّا
                                                                            لم نكن قبلهم غرانيق مردا
                                                                    حاسبونا على هنات المعالي
                                                                            ثمّ غالوا بها حسابا و عدّا
                                                                    نحن روّادكم طلعنا الثنايا
                                                                            و زحمنا الصعاب غورا و نجدا
                                                                    و بنينا لكم و نعلم أنّا
                                                                            لن نملّى به بقاء و خلدا
                                                                    أيّها النازل المقيم تعهّد
                                                                            بالرضى و الحنان ركبا مجدّا
                                                                    ***
                                                                    قل لشكري العظيم أشرقت في
                                                                            السدّة يمنا و كبرياء و رشدا
                                                                    يا أبا الدّولة الفتيّة تبنيها
                                                                            و يلقى الباني عناء و جهدا
                                                                    إن حضنت استقلالها و هو في
                                                                            المهد فما اختار غير نعماك مهدا
                                                                    لا تخف عثرة عليه و وهنا
                                                                            بلغ الطفل في حماك الأشدّا
                                                                    يا وريث الشموس من عبد شمس
                                                                            ملكوا العالمين روما و هندا
                                                                    بفتوح هنّ الملوك من العزّ
                                                                            و بعض الفتوح غرثى عبدّى
                                                                    أسلم القدس من يحجّ إلى القدس
                                                                            و يتلو الإنجيل وردا فوردا
                                                                    إن يناموا عنها نبّه الثأر
                                                                            على الغوطتين أروع نجدا
                                                                    مدن القدس كالعذارى سبوها
                                                                            و أرادوا لكلّ عذراء وغدا
                                                                    كالسّبايا لطمن خدّا و مزّقن
                                                                            شفوف الحرير بردا فبردا
                                                                    ضجّ سوق الرقيق في ندوة القوم
                                                                            و نخّاسه طغى و استبدّا
                                                                    يعرضون الشعوب عرض الجواري
                                                                            عرّيت للعيون نحرا و نهدا
                                                                    غيرة الله ! أين قومي و عهدي
                                                                            بهم ينهدون للشرّ نهدا
                                                                    نعشق القدّ للعوالي و أحببنا
                                                                            لهنديّة الصوارم هندا
                                                                    و دفنّا الكنوز يوم دفنّا
                                                                            في ثراها الآباء جدّا فجدّا
                                                                    رضي الله عن أخ لك كالسيف
                                                                            المحلّى يروع نضلا و غمدا
                                                                    أين سعد ؟ و لا ألوم اللّيالي
                                                                            و هب الدّهر غاليا و استردّا
                                                                    أيّ بدع إذا بكيت لسعد
                                                                            إن بكى السيف حدّه ما تعدّى
                                                                    لو رأى هذه الدّموع الغوالي
                                                                            لبكى رحمة وحيّا و فدّى
                                                                    غاب سعد عن العيون و ما
                                                                            غاب ضياء يهدي القلوب فتهدى
                                                                    ثورة في الحياة و الموت جلّت
                                                                            ثورة الحقّ أن تقرّ و تهدأ