خلع الحياة على البلى - بدوي الجبل

لا الأمس يسلبك الخلود و لا الغد
هيهات أنت على الزمان مخلّد

تتجدّد الدّنيا و قلبك وحده
دنيا تعيد شبابها و تجدّد

لك من خيالك عالم متناسق
بهج تعاود خلقه و تدوّد

أمّا البسيطة فهي فيه خميلة
ولع الرّبيع بها و رحت تغرّد

و سكبت في الأنغام قلبك دمعة
لا كالدّموع و رحمة تتنهّد

خلع الحياة على البلى فكأنّه
للبعث من قبل الأوان يمهّد

قيس و ليلى بعد طول كراهمت
ثغر يرفّ ووجنو تتورّد

بعثا كعهدهما القديم فمن رأى
تلك العيون يرفّ فيها الإثمد

في كلّ قلفية حياة تجتلى
و منى تضوع و زفرة تتردّد

صور الجزيرة ما جلوت من العلى
و الحسن لا ما أوّلته الحسّد

الحبّ و الخيم المنيفة و القرى
و لبانة عند الغدير و موعد

و سكينة الصحراء إلاّ هازجا
مرحا يعيد حداءه و يردّد

***

يا شاعر الدّنيا لقد أسكرتها
ماذا تغنّيها و ماذا تنشد

خفّت بزينتها إليك مشوقة
سكرى تعبّ كؤوسها و تعربد

و جلت على الشعراء قبلك حسنها
لكن أراك شهدت ما لم يشهدوا

الزاهدين بها ولو كشفت لهم
سرّ الحياة المجتلى لم يزهدوا

نظروا إلى خير الوجود و حسنه
شزرا كما نظر الضياء الأرمد

أطريت فتنتها فدع في غيّه
من راح يعذل حسنها و يفنّد

العبقريّة شعلة من نارها
حمراء ناضرة اللّظى تتوقّد

و الشّعر و النّغم الشجيّ و رحمة
تسع الوجود و نقمة تتوعّد

***

يا فتنة الدنيا يذمّك معشر
و الحقّ كلّ الحقّ في أن يحمدوا

ألهب نبوغك في الحياة و حبّها
و أنا الضمين بأنّه لا يخمد

الكنز بين يديك فانثر درّه
إنّي أراه يزيد حين يبدّد

ظلم الجمال أبا عليّ من رأى
أنّ الجمال غواية تتودّد

و سموت في صور النعيم تعدّها
من نعمة الله التي لا تجحد

الحقّ و الإبداع من نفحاتها
و الهير من أسمائها و السؤدد

حبّ الجمال عبادة مقبولة
و الله يلمح في الجمال و يعبد

***

يا شاعر الدّنيا نديّك حافل
و الجمع مصغ و المواكب حشّد

ينتظرون السّحر من جبّاره
هيهات دون السّحر باب موصد

يشكى إليك و أنت رهن منيّة
و تزار في عنت الخطوب و تقصد

و لقد يرجّى السيف و هو ملثّم
و لقد يهاب اللّيث و هو مصفّد

فاذهب كما ذهب الرّبيع على الرّبى
منه يد و على القلوب له يد

و لك الإمارة في البيان يقرّها
أمس الزّمان و لا يضيق بها الغد

***