أين أين الرعيل من أهل بدر ؟ - بدوي الجبل

لا تسلها فلن تجيب الطلول
ألمغاوير مثخن أو قتيل

موحشات يطوف في صمتها
الدّهر فللدّهر وحشة و ذهول

غاب عند الثرى أحبّاء قلبي
فلثرى وحده الحبيب الخليل

***

و سقوني على الفراق دموعي
كيف يروي من الجحيم الغليل

خيّمت وحشو الفراغ على
الأحياء فالقبر وحده المأهول

في الثرى من أحبّتي ولداتي
ظفر أبلج و فتح جليل

نزلت بالقبور أسمى اللّبانات
و طاف الرجاء و التأميل

و تهبّ القبول تحمل أشواقي
فهل رشّت الطيوب القبول

الدي نال جبهة اللّيث في
غمر الضّحى ناله جبان ذليل

يا أخا الفتكة الصراح كأنّ
الشمس من فوق فرعها إكليل

لم تفاجئ بها عدوّا فقد
أنذر منها زماجر و صهيل

و زحوف على العدو كما تخبط
بالعاصف المرنّ السيول

ألف هيجاء خضتها لم تجدّلك
أحقا أنت الصريع الجديل

سيفك السيف لا يخاتل في
الروع وزكّاه أنّه المختول

و إذا النّصر كان عارا فأرضى
للمروءات أنّك المخذول

لقطاف الوغى شمائل كالنّاس
فنصر وغد و نصر نبيل

هتف الهاتفون : أين رياض
فانتخى في الثرى حسام صقيل

و بكت أمّة و أجهش تاريخ
و ناح القرآن و الإنجيل

يا لستّين في الكفاح طوال
حاليات و كلّ جلّى تطول

من راه يخرّ في فجأة الغدر
رأى الرّاسيات كيف تميل

إنّ موت العظيم محنة التاريخ
و دنيا تفنى و كون يزول

***

إنّ سيفا أرداك غدرا و حقدا
لهو بين الظبى دعيّ دخيل

لم يذد في الوغى عدوّا و لم
يهززه في الرّوع ساعد مفتول

مغمد في معارك الحقّ ناب
و على الحقّ مصلت مصقول

شاهت العرب تحت كلّ سماء
حين أغضت و شلوك المأكول

يا لذلّ العلى فهل هجع الثأر
و طاح الدم الزكيّ الطليل

عقر الله بعد فارسها الخيل
و لا عطّر الفتوح االصهيل

ينكر الشوط نفسه حين تجري
عاريات من الكمأة الخيول

ما لأمجادنا و ما لعبيد
الأساطير مجدهم و الطلول

بئس قوميّة يؤرّخها
الظنّ و يبني أحسابها التأويل

كيف تسمو بين الشعوب
ثمالات شعوب و عابرون فلول

أبغضونا على العروبة و الفتـ
ـح و يلقى عند الهجين الأصيل

و سبايا الفتوح لا بدع إن
هرّ على الفتح حقدها و الذحول

***

نحن كون لا كائنان ضعيفان
ألحّ الهوى و تم ّالوصول

سالف الشرق ملك قحطان
و اليوم لقحطان و الغد المأمول

و له هذه الجبال المنيفات
و تلك الرّبى و هذي السهول

و السماوات و الكواكب في الشرق
لقحطان موطن و قبيل

و النبوّات و الفنون و ملك
في شباب الدّنيا عريض طويل

أريحيّ تكاد نورق بالنعمى
لأعدائه القنا و النصول

قد ورثنا البحار من عبد شمس
و عليها الغزاة و الأسطول

أرز لبنان أيكة في ذرانا
و الفراتان ماؤنا و النيل

و رياحيننا على تونس الخضراء
خضراء أين منها الذبول

ما شكت جرحها على البعد إلاّ
رفّ قلبي على الجراح يسيل

و لثمت الجراح فهي ثغور
يشتهى عطورها التقبيل

هادرات بخطبة المجد بتراء
و يؤذي البلاغة التطويل

حلف القيد أنّه من نضار
كلّ قيد على الرّقاب ثقيل

يا صديد الجراح بوركت طيبا
يتملّى ريّاه جيل فجيل

كلّ روض في الشرق من
دم آبائي مندّى معطّر مطلول

و لبناتهم على كلّ صحراء
غدير صاف و ظلّ ظليل

حيث يحنو الصفصاف نعمى
على الواني و يبكي على الشهيد النخيل

كلّ تكبيرة على الرّمل نفح
و عبير سكب و أيك بليل

ذكر الله فالهجير شفاه
قانيات و الليل طرف كحيل

***

لفّني و الدّجى على هذه الصحـ
ـراء سحر منمنم مجهول

لفّني و الدّجى فأفنت كلينا
سعة من جلاله و شمول

أيّ سرّ نريد في الكون
و الكون معنّى بسرّنا مشغول

تلك واحاتها الظليلة
و الظلّ غريب على الرّمال نزيل

زهرات السّماء حيّا بها
قومي من الحور في السماء رسول

فعلى كلّ نهلة من شذاها
شفّة عندم و خدّ أسيل

و حنين إلى السماء كما حنّ
إلى نعمة الشفاء العليل

ربّ روحي طليقة في سماواتك
و الجسم موثّق مغلول

بعد الفرق بين روحي و جسمي
جسدي آثم و روحي بتول

أنت يل ربّ غاية و إلى
الغاية أنت الهدى و أنت السبيل

لك حبّي و منك حبّي فهل
يعطي من السائل الكريم المنيل

لك حبّي فهل لفقري إذا
أهدى إلى كنزك الغنيّ قبول

عبراتي عبادة و ابتهال
و شهيقي التكبير و التهليل

و صلاتي تأمّل و مناجاتي
خشوع و زقزقتي ترتيل

و بلائي أنّ النعيم الذي
أرجو نعيم مسوّف ممطول

لم يضع في الظلام نورك عن
قلبي فقلبي إلى سناك الدليل

معدن الخير و الجمال المصفّى
وجهك الخيّر الكريم الجميل

و أنا السائل الملحّ و يجلو
وحشة الذلّ أنّك المسؤول

و بيمناي ألف كنز عطاياك
و ما في يديّ إلاّ القليل

ربّ ! نعماك أن تنضّر قلبي
بمحيّاك فهو صاد محيل

ربّ ! قلبي زيّنته لحميّاك
فمر تنسكب بقلبي الشمول

هيّئت في سريرتي لك ربّي
سدرة المنتهى و طاب النّزول

جوهر القلب و هو إبداع كفّيك
على ما به كريم أصيل

و بقلبي رضوان يهفو لمرآك
و ندّى سريرتي جبريل

يا لدات الشباب لو ينفع الدمـ
ـع جزتكم مدامعي و العويل

و كهولا أبلت شبابهم الجلّى
فهم في الصبا الوسيم كهول

روّعت سربنا المنايا و أمّ
المجد في الغوطتين أمّ ثكول

راع قلبي الرّحيل حتّى تولّيتم
فأشهى المنى إليّ الرّحيل

لوعتي – و الثرى يهال عليكم -
كوفائي ، مقيمة لا تحول

لوعة الحرّ حين أفرده الدّهر
فمن يتّقيه حين يصول

و أناجي قبوركم أعذب النجـ
ـوى و أشكو معاتبا و أطيل

و كأنّ القبور تسمع شكواي ..
و تدري حصباؤها ما أقول

عيّروا بالفلول بيض ظبانا
من قراع الزمان هذي الفلول

و إذا السيف كلّ من هبره الهام
فقد شرّف السيوف الكليل

الدجى عذر منكرينا ز تخفى
غرر الخيل في الدّجى و الحجول

ذلّ مجد لم ينتسب لكفاح
فهو مجد رثّ المعالي هزيل

***

غوطة الشام هل شجاك بيان
من قريضي كأنّه التنزيل

و عتاب كالجمر صنتك عنه
جزعا أن ينال منك عذول

كلّ مجد يفنى و يبقى لشعري
شرف باذخ و مجد أثيل

***

غوطة الشام منك صدّ و حرمـ
ـان و منّا العطاء و التنويل

ألذي شرّدته عنك المعالي
آب و هو المكفّن المحمول

غربة في العلى و ينأى عن
الغمد فيبلى المهنّد المسلول

مثخن بالجراح يهفو إلى
الأمّ فأين الترحيب و التأهيل

ربّ فنح ترويه للدّهر
أشلاء قناة و صارم مفلول

ضنّت الشام بالوفاء علينا
طلعة سمحة و ودّ بخيل

أيسر الجهد أن تضجّي و تشكي
قد يرجّ الطغيان قال و قيل

و اعذري الهامسين خوفا فما يهدر
عند الصّيال إلاّ الفحول

لامنا الأّئمون في حبّ حسناء
ملول و كلّ نعمى ملول

لا تحاسب أخا هوى في هواه
كلّ ثغر على الهوى معسول

أيّ بدع في ثورة من محبّ
قد يثور المقيّد المكبول

لك منّي الهوى كما رنّح الفجر
نسيم في غوطتيك عليل

***

يا رفاقي بكيت فيكم شبابي
كلّ عيش بعد الشباب فضول

من تملّى بقلبه الضاحك الهاني
فقلبي الممزّق المتبول

أين سعد و عادل و رياض
ما لركب الرّدى المجدّ قفول

و نجيب و أين منّي نجيب
غال قومي من المنيّة غول

كيف أغفى أبو رياض و حقّي
في الشام المضيّع المخذول

و تلاقيتم على البعد في قلبي
فلا روّع اللدات رحيل

***

حال بيني و بين دنياي أنّي
بكم في سريرتي مشغول

و أراكم حتّى لأسأل نفسي
أيقين رؤاي أم تخييل

بوركت نعمة الخيال و يرضيني
خداع الخيال و التعليل

أجهدتنا الضحى على زحمة الرّوع
فهل يسعد الطلاح الأصيل

أين أين الرّعيل من أهل بدر
طوي الفتح و استبيح الرعيل

***