دمعة على الشاعر عبد الحميد الرافعي - بدوي الجبل
لا تعيدي ألحانه لا تعيدي
جلّ ذاك الهوى عن التقليد
نعم البلبل الأسير فقد عاد
إلى أفقه الفسيح المديد
شاعر لا يحدّه الكون ملّت
نفسه ضيق عالم محدود
و رأت جسمه على كرم العنصر
سجّان كنزها المرصود
فهي تقسو عليه ، تمعن في الهدم
و تأسى لركنه المهدود
فإذا هدّها الصراع اطمأنّت
و نجت في خيالها المصفود
لم يكن موته فراقا و لكن
هذه أوبة الخيال البعيد
عاد للفن ذلك النغم العذب
و آبت حنّانة التغريد
و انطوى في شذى الرّبيع و قد
ضمّ فنون العبير عطر الورد
قوّة من هوى و سحر رمتها
ربّة الشعر في يدي (كوبيد)
كلّما آذن الفناء تنادت
بوجود يطلّ خلف وجود
ملهم الشعر من هوى كلّ نفس
و لبنات كلّ قلب عميد :
يتمت بعدك القوافي و ضجّت
باكيات بيومك المشهود
بعض نجواك للمشيب و إن
نزّهت نجواك عن أذى و حقود
يجمع الدّهر من غدائر بيض
حين يسطو و من غدائر سود
و لعلّ الردى أحنّ على الشعر
و أحنى على الصّريع الشهيد
***
رزئ الشعر فيك عبد الحميد
عبقري القديم عذب الجديد
غزل يسكر النفوس و يدني
ما نأى من خيالها المنشود
و أغان تعيد حبّا و عطرا
ما روته العصور عن داوود
فترشّف منهنّ خمر ثغور
و تنشّق فيهنّ عطر خدود
من قواف كأنّها بسمات
حاليات على شفاه اللغيد
قيّدت بالرويّ بعد انطلاق
نزوات الحنين و التّغريد
كلّما ردّد المغنّون رقّت
و هفا السامعون للترديد
و أطلّت منها فتون ثغور
و لبانات أعين و نهود
و جراحات كلّ قلب ظمئ
و ابتسامات كلّ ثغر برود
و المنى العاريات ألهبها
الشوق فجنّت و لوّحت بالبرود
و حنت تنشد الخلود ليغفو
بين أحضانها إله الخلود
عمر في القصيد من آل نعم
و سليمان قبله في النشيد
و المحبّون بسمة عند ثغر
يتملّى و معصم عند جيد
طال عهدي بالشعر إلاّ لماما
زورة الطيف بعد طول الصدود
و أنا شاعر الشباب و عندي
ما يشاؤون من منى و قصيد
لم أخن عهدهم فحبّي على ما
ألفوه و ذمّتي و عهودي
و الميامين آل جفنة و التّاج
عليهم أبوّتي و جدودي
لا تغرّنك ضحكة من حزين
ضحكات البروق سرّ الرّعود
***
حبّذا عهدنا على الغوطة الخضراء
و الحسن دائم التجديد
و ليال لنا على الرّبوة المئناف
سكرى نعيمها الموعود
نتهادى على عيون الأقاحي
و نعفو على شفاه الورود
أنشد الشعر و الشباب سكارى
من معيد منهم و من مستزيد
لا أبالي و قد قسوت على الظالم
عسف الدجى و عضّ الحديد
و لئن نالني الشباب بلوم
فبنعمى الشباب أورق عودي