ما لا يعود - بيان الصفدي
بعثرتـُها . .
                                                                    كانت شظايا في خطايَ
                                                                    طفولة مجروحة ٌ
                                                                    يمتدُّ من أدراجها غيم ثقيلٌ
                                                                    ناعم القطرات فوق الصخر ِ
                                                                    مبتـَلاً بها .
                                                                    بعثرتها . .
                                                                    كانت خطاي أليفة ً
                                                                    في بئرها الأولى التي تمتدُّ
                                                                    حتى تدفُقَ النبعَ العميقَ
                                                                    تهزُّني فيها عذوبةُ أن نفيضَ
                                                                    و أن نطيرَ
                                                                    ولا نرى ظلاً لنا
                                                                    فوق الزوايا المائلات ِ
                                                                    و عبر أودية ٍ
                                                                    ترنُّ بها خـُطانا.
                                                                    . . .
                                                                    كُرَة من اللهب البهيج ِ
                                                                    يهيج في أطرافها صوت سماويٌّ
                                                                    يُغللِّنا بأسرار نروح لها سكارى
                                                                    لم يزنـِّر جِيدنا إلا الغبارُ !
                                                                    متى قرأنا في دفاترها
                                                                    المبعثرة الجميلة ِ
                                                                    ما يخطُّ الغيبُ ؟
                                                                    . . غادرْنا قرانا .
                                                                    . . .
                                                                    مدنٌ مهيَّأة بكل الحزن ِ
                                                                    تستلقي على عتباتنا الأولى
                                                                    تشمُّ ترابنا المخفيَّ
                                                                    تذرونا على طرقاتها
                                                                    و تلمُّنا حيناً . .
                                                                    و تعركنا. .
                                                                    و لكن . .
                                                                    لا ترانا.
                                                                    . . .
                                                                    خطَّ الدم المهدور في صفحاتنا جيلاً
                                                                    و أخفى في سراديب النهار ِ
                                                                    المعتمِ الدمويِّ أشلاءً
                                                                    عبرنا جسرها عُمياً
                                                                    إلى عتبات هذا التيه ِ
                                                                    كم دربٍ مشيناها!
                                                                    و كم سفنٍ لنا تاهتْ !
                                                                    و أطلقنا صواريها إلى بحر من الظلمات ِ
                                                                    تأخذنا شواطئه ُ
                                                                    و تلقينا على جمراتها
                                                                    عسسٌ أنيقون استفاقوا فجأة ً
                                                                    و بنوا لنا جزراً من الأوهام ِ. .
                                                                    أبنية من الإسمنت ِ
                                                                    تصبغها دمانا
                                                                    . . .
                                                                    قرؤوا علينا ما تيسَّرَ
                                                                    من كتاب النار و الطاغوت ِ
                                                                    و اقتسموا بقايا الحلم ِ . .
                                                                    و انداحوا كطوفان من الهالوك ِ
                                                                    ينهش في بقايانا . .
                                                                    و سَلُّوا صارماً
                                                                    و تلوا أباطيلاً
                                                                    و قلنا تكذبون لهم
                                                                    و صدَّقهم سوانا.
                                                                    . . .
                                                                    رُبَّانا أعمى
                                                                    أدار الدفّّة العمياءَ
                                                                    في هوج العواصف ِ
                                                                    و اصطففنا خلفه ُ
                                                                    متلفِّعين بنجمة غابتْ
                                                                    و لم تكُ للسفين سوى الغواية ِ . .
                                                                    حتفها المجهولُ
                                                                    تمشي نحوه سكرى
                                                                    نقطِّر شوقنا مطراً
                                                                    و نعصر غيمنا وهماً
                                                                    و نهمي فوق أطلال ٍ
                                                                    خرائبها شواهقُ
                                                                    بومها في الصبح ينشد ُ
                                                                    أغنيات من نُثار الملح فوق الجرح ِ
                                                                    تذروها رياحٌ
                                                                    ثمَّة الليلُ البهيم يهيم ُ
                                                                    تتبعه الخرائب ُ
                                                                    منتشين بظلمة ٍ
                                                                    تمتدُّ في الكلمات ِ ! . .
                                                                    تعجنها على مَهَل ٍ
                                                                    فتلمع في أسانا
                                                                    . . .
                                                                    في لحظة ما
                                                                    قد نعودُ
                                                                    مكلَّلين بتاجنا الشوكيِّ
                                                                    ننفض عند أعتاب الطفولة ِ
                                                                    ما تبقَّى من غبار الرحلة الشوهاءِ . .
                                                                    نبكي خيمة أوتادُها الأضلاع ُ . .
                                                                    أحجاراً سرقنا نارها. .
                                                                    رفقاءَنا الغابوا . .
                                                                    الزوايا . .
                                                                    الأمسيات ِ . .
                                                                    خزائنَ الجدَّات ِ . .
                                                                    بيدرنا البعيدَ . .
                                                                    البركة َ. .
                                                                    الناطور َ. .
                                                                    أطفالاً هنا لم يكبروا
                                                                    الكرمَ الذي لم يبقَ كرماً
                                                                    نطرق البابَ الذي في البال ِ
                                                                    ظلَّ مُوارَباً
                                                                    و بمثل ما كنا هنا بالأمس ِ
                                                                    ندخله ُ
                                                                    فيفجؤنا هدوء شاملٌ
                                                                    ما لا يعودُ . .
                                                                    يعودُ
                                                                    في البيت الذي كنَّاهُ
                                                                    نخفي وحشة ً . .
                                                                    إذ نستريح ُ
                                                                    لأننا نبكي طلولَ الدار ِ . .
                                                                    نسألها . .
                                                                    و لا أحدٌ يرانا! .