حرب. حرب. حرب - رياض الصالح الحسين

عاشق ذاهب بين حشرجة النازحين و حشرجة الكلمات
عاشق مثل هذي البراري المدمَّاة و الجثث الذهبيَّة
يخرج من زمنٍ ليغنِّي
و يدخل في وطنٍ ليغنِّي
يبتاعُ أرغفةً و معاول
يبتاعُ أرصفةً و معامل
يبتاعُ حزنًا شديدًا
و دبَّابةً سقطت بين فكَّيْ زهرة دفلى
يبتاعُ قبرًا وسيمًا لطائرة
و غصونًا خضراءَ من فرح أبديّ للعاشقات
..
عاشق ذاهب بين حشرجة النازحين و حشرجة الطلقات
عاشق قال:
هذه هي الحرب
تخلع قمصانها الخشبيَّة
تكشف عن عريها الحشريّ:
دماء و أرصفة
و دفاتر مبتلَّة بالنشيج
دماء و عاشقة و دفاتر مبتلَّة بالدماء
دماء و أرغفة
و أساور ضيِّقة
و مآذن واسعة
و طيور تهاجرُ...
مجزرة و شعوب
مجزرة و زهور
هذي هي الحرب تفتح نافذة الحبّ للقاتلين
و للعاشقين ستفتح نافذة للقبور
..
في الحروب التي ذهبتْ
في الحروب التي بقيتْ
في الحروب التي حاولت أن تجيء
كان وجه أليف لعاشقة يتمرَّغ في الرملِ
و الألم الطبقي
كانتِ العاشقات الوسيمات يخرجنَ للشرفاتِ
و يعرضنَ أجسادهنَّ المدمَّاةَ لله
و الله كان يجيء القرى و بصحبته الجند
كان يعبِّىء مئزره الملكيّ حروبًا و ينثرها في البيادر
كانت بيادر من فضَّة و مواعيد
كانت بيادر من فضَّة
..
ثمَّ كانت حروب
و هل تذهبين إلى البيتِ
أم تذهبين إلى الموتِ
هل تذهبين إلى العشبِ
أم تذهبين إلى الحربِ
كنَّا نسير نسير و تثقبنا الطلقات
و كنَّا نسير نسير بدائرة قطرها ألف حزن
يدًا بيد و نغنِّي
يدًا بيد و نموت
و يا أيُّها الموت لا تأتِ في الصيف
إنَّ الطيور تشاطرنا الصيف
يا أيُّها الموت لا تأتِ في مطر خائف و بعيد
لا تأتِ
فالأرض عطشانة
و المواسم مكسورة
و الشعير سينضب
و العاشقات سيبكين عشاقهنَّ
و لا تأتِ... لا تأتِ
لكنَّهُ الموت يأتي
و لكنَّها الحرب تأتي بهيئتها الحشريَّة
تدخل من ثقبِ بابٍ
و من ثقبِ نافذةٍ
تتناسل في حانة – صحف – كتب
تتناسل في جثث العاشقات
ثمَّ تنده للقاتلين: "استريحوا... استريحوا"
و تطعمنا البؤس و الطلقات
..
عاشق قال:
بعد نهارين من تعب و رصاص
تجيء من الأرض عاشقة
و تمدُّ يديها إلى مطر و إجاص
تمدُّ يديها إلى الماء
تغسل ألسنة الخطباء و ألسنة الرقباء
تسجِّلُ أرصدةَ الفقراء التي ابتلعتها الحروب
على دفترٍ شجريّ
تمزِّق قبَّعة الجنرال
و قبل مسائين من مطر و إجاص أرى:
تحت قبَّعة الجنرال قرىً مصمصت عظمَ أطفالها
و يدين تقطَّعتا
و أرى تحت قبَّعة الجنرال:
دمًا ساطعًا
و جماجمَ مكسورة تتهجَّى حروف
و في كل حرف مشاريع من حلم فاسد
و أرى تحت قبَّعة الجنرالات
مشروع حرب على الزهر
مشروع حرب على النهر
مشروع حرب على الفقراء
و بين يدين تقطَّعتا
يهرب العاشقون من العشقِ
و الميِّتون من الموت
و الفقراء من الفقر
من ثمَّ تسقط قنبلة و يجيء الغزاة الأشدَّاء
من كأس شايٍ و سيجارة و صباح
و من كأس شاي و سيجارة تبدأ الثورة العالميَّة
أو تبدأ الأمنيات الكثيرات
يبدأ الخطباء خطاباتهم
و الجنود رصاصاتهم
ثمَّ أفرغ من الحزن
أقذفه تحت قبَّعة الجنرال
و أركض في مقتل لا يحدُّ
أنا الآن مقتنع ببلادي
و مقتنع باضطهادي
و في زمن لا يحدُّ أرى من أحبُّ على شاطئ
تستريح من اليأس
تسألني عن مكان لذيذ بلا شرطة
نتبادل فيه الأناشيد و القبلات
أجيب: هو البحر
قالت هو البحر. قالت هو البحر
و ابتسمتْ.