القَدَرْ - ريان عبدالرزاق الشققي

لم يبقَ لي من أُمَّتِي أَمْرُ
حتى حَسِبْتُ بأنَّها قَفْرُ

ليسَ القعودُ بسلوةٍ نَزَلَتْ
ما للثواءِ بسلوتي بِشْرُ

لكنَّ وقفي يستجيبُ إلى
ما ينطوي فَيَلُفُّهُ العُمْرُ

عبث الغريبُ فأرضُنا سُلِبَتْ
زَرَعَ الأذى وحصادُهُ الشَّرُّ

حقب توالتْ فاستحالَ بها
قوم لأقوامٍ بها جَوْرُ

وتصارعوا حتى ترى فِرَقاً
قد عاودتْ راياتها حُمْرُ

وعهودُ شرٍّ رَسَّبَتْ عَطَباً
وبغتْ فضاع الطرسُ والحِبْرُ

واليومَ نجني ما تراهُ مضى
ممَّا نسينا واحتوى القَبْرُ

سقم وبلوى والعقول بها
صَدَأ وَوَحْل والنُّهى عُهْرُ

أسف على كونٍ سقى بَشَراً
نحو المبادىء ما لهم ثَغْرُ

ما أصعبَ العيش الوضيع وقد
عَظُمَ الذين شعارهم خَمْرُ

وهلالُ قومٍ قد خبا خجلاً
والشمسُ مالتْ والثرى قُرُّ

والذنبُ ذنبُ خليقةٍ عَبَثَتْ
بربوعها فتناقَصَ الأجْرُ

فالناس ظمأى لا مفرَّ لهم
لم يَسْقِهِمْ بجفافِهِ البِئْرُ

والماءُ غاصَ ونبعهُمْ مِحَن
حمراءُ، هلاّ ينجلي الحَرُّ

إنْ كنت في قعرٍ بلا أملٍ
فتستقي ما يُخرج القَعْرُ

إنْ كانتِ الآمالُ في وَسَعٍ
أو كان فيها شُغْلها دُرُّ

فمآلهَا نحو السماءِ لكيْ
تقتاتَ ممّا ضَمَّهُ القَصْرُ

عمل بآمالٍ يعيلُ بها
ويُحيلُهَا هدفاً لهُ وَقْرُ

أمَّا إذا داعَبْتهَا عَبَثاً
وتركتها قد جاءكَ الحَشْرُ

وَمَضَتْ معالمُ دربِها صورٌ
لا تُغْنِيَنْ، وبها أتى الفَقْرُ

وبدتْ كزرعٍ ما لهُ ثَمَرٌ
جاءتْ كسُحْبٍ ما بها وَفْرُ

وتعمُّ بلوى في الأنامِ وما
لسوادِها عدٌّ ولا حَصْرُ

فالسيفُ لا نصلٌ ولا ظُبَةٌ
والنفسُ لا شَأْوٌ ولا أَزْرُ

والروح صرعى والجراحُ بها
أنَّاتها يَعْيَا لها الصَّدْرُ

ما للربوعِ ألا ترى مَطَراً
عند السفوحِ فَيَنْبُتُ الزَّهْرُ

ما للرعاةِ دعاؤهم عَدَم
دونَ الدعاءِ فما لهم أَجْرُ

هذا الزمانُ زمانُ عجرفةٍ
هذي العلا قد حَطّها الغَدْرُ

إني لأعجبُ من فراقِ مُنى
تبدو كأنَّ عبيرَها عِطْرُ

إني لِمَنْ رغبَ الوِصال بها
حتى وإنْ أرادنيَ العُذْرُ

لو كنتُ ألقى أنفساً رَغِبَتْ
بدوائِها لأتى لها القَطْرُ

أجسادُ آباءٍ تهيبُ بنا
إن تعدِلوا راياتكمْ خُضْرُ

لو يعرف الأقوامُ أنَّ لنا
في وحدةٍ غصنٌ له زهرُ

لو نجهِدُ الأيامَ تكلؤنا
برعايةٍ ما مسَّها حُقْرُ

لو نعتلي قِمَماً بها علم
لازدانَ فينا اليومُ والشَهْرُ

لو نجتبي من مجدنا حكماً
لأزْهَرَّ قفرٌ واستوى وَعْرُ

لو ننثني نحو الوراءِ نرى
نهجاً رفيعاً صرحُهُ الخَيْرُ

لو يدري أهلُ اليومِ أنَّ لهمْ
فيمنْ مضى عِبَراً بها فَخْرُ

لأنابَ رهط عزمُهُ شِيَم
وَلَزَالَ ليل وَاسْتوى فَجْرُ

إني لأرجو أنْ يكونَ لنا
عزمٌ فيرحلُ حالنا المُرُّ

يا دارنا أرضٌ بها هَيَمي
يا أجمةٌ ورداؤها الطُّهْرُ

يا ربوتي وصبابتي ودَمي
يا لوعتي قد مَسَّنا الضُّرُّ

إني لأذكرُ نَهْرَ روضتِها
قد سالَ شوقي جَرَّهُ النَّهْرُ

إني لأبكي حينَ أذكرها
دمعاً غزيراً ما بِهِ ثَأْرُ

ولئنْ قَسَت دار على ولدٍ
فَهُوَ الشقيُّ أما له وِزْرُ؟

ملكاتُ عَقْلِ المرءِ قائلةٌ
مِمَّا جنينا أُلْهِبَ الجَمْرُ

للدهر حكمتُهُ تلوِّحُ لنا
والحرُّ من أوفى لهُ القَدْرُ

هذا القضاء قضى لنا سِيَراً
هلْ بالعوالم يُطْفَأُ البَدْرُ!

هذا القضاء وردُّهُ عَبَث
مِنْ شَمسِنا لا يَنْشَفُ البَحْرُ!

إنْ آذَنَ الله العظيمُ لنا
فقضاؤهُ ومُرادُهُ سِرُّ

إن كان ربُّك يملك القدرا
لا تقْعُدَنْ كي ينقضي العُمْرُ

ربّ يقول (قُلِ اعْملوا) وَضَحاً
فاعْملْ لهُ لا يأسفُ الصَّدْرُ

دربُ السلامةِ مهيعٌ رَطِبٌ
والشرْكُ في ما شابَهُ الإصْرُ