كيف هبط آدم وحوّاء ..؟! - شادي حلاق

بينما أنا ما بين الـ ( كنت ) و قبل الـ ( كنت ) في الـ ( سأكون ) والـ ( لم أكن ) تساءلت :
كيف أرتكبني فأقدّمني إلى آكلي الضّمير على أطباق الجريمة ؟!
هل أنا ارتكبت الجريمة أم الجريمة ارتكبتني وتجسّدتني ؟!
أمّ أنّ الطّهر تزوّج البراءة فأنجباني والجريمةَ فكنت أخا لها ؟!
لكنْ !
ألا يُميّز الزّمان بين قابيل وهابيل ؟
لكن أعتقد أنني قابيل وهابيل في نفْس واحدة وجسد واحد
أردت الهروب منّي فانشققت اثنين
ففُجِعتُ وارتعبتُ وعدتُ راكضا إليّ فاصطدمت بي
فتكوّنت أضواءٌ في الأفق من شرار الاصطدام
فأبعدنا الاصطدام عن بعضنا حتّى اصطدمنا مرّةً ثانية في الجهة االأُخرى
لقد كان مسير اصطدامنا ونفورنا حتّى اصطدامنا في الجهة الأُخرى التي هي نفسها ، يُشكّل خطّا منحنيا يلتقي طرفاه
تكوّنت أضواء أُخرى ـ أيضا ـ من ذلك الاصطدام
وبقينا على هذه الحال نصطدم ببعضنا ثمّ نفترق ثمّ نصطدم ، وهكذا تكرّرت العمليّة سبع مرّاتٍ
حتّى استقرّ وثبت كلّ منّا في نفس النقطة إنّما كلٌّ يدير ظهره للآخَر وبهذا فإننا من البعيد من الجهة الثّانية كنّا متواجهَين وكنت أشعر به ولا أراه وكان يراني ولا يشعر بي
أردت أن ألتفت إليّ لكن كم كان عصيّا عليّ ذلك فكدت أموت عرفت أنّ الموت يكتمل باكتمال التفاتي أو قبله
وكنت أنا أمشي وكان ( هو أنا ) أو ( أنا الآخَر ) واقفا
وتلك الأضواء التي كانت تنتشر في الأفق من شرار الاصطدامات تجمّعت عندما استقرّينا واستقرّت في الأفق مشكّلة الشّمس
لكن أنا وأنا الآخر تعاهدنا أن نلتقي كلّما غابت الشّمس أو غيّبناها
ها أنا أمشي ، وقد مضت السّنوات ـ
هل حقّا تلك سنوات وأزمنة أم طرقاتٌ وأمكنة ؟!
هل أقول مضى زمكان ؟!
لكن كيف أقيس ذلك المكان بالسّاعة أم بالمتر ؟!
هل سأقيسه بـِ ( السّاعتمتر )
لكن هل حقّا أنا الذي أمشي أم أنا الآخر هو الذي يمشي إليّ وأنا واقف ؟!
أظنّ أنّ الطّريق هي التي تمشي بي
أذكر أنّي تساءلت مرّةً : كيف هبط آدم وحوّاء من الجنّة على هذه الأرض ولم يتحطّما ؟!
هل كان لهما جناحان ـ جنحٌ زمانيٌّ ، وجنحٌ مكانيّ ؟!
أو جنحٌ مادّيٌ وجنحٌ معنويّ ؟!
أم كانا ـ هناك ـ كلٌّ منهما جسدا معنويّا ولمّا وصلا إلى الأرض ترسّب الثّقيل على الأرض
و بقي الخفيف في الأفق ؟!
من وقتها ـ منذ تلك التساؤلات ـ توحّدت الشّياطين والملائكة فيَّ
جُعِلتُ برزخا بينهما
ألهذا هنالك من يقول عنّي شيطانا ، وهنالك من يقول عنّي ملاكا ؟!
وهنالك من يقول عنّي : تارةً شيطانا ، وتارةً أُخرى ملاكا ؟!
هل لي وجهان في وجه واحد ؟!
الأنّ برجي الجوزاء ؟!
هل أنا قاتلٌ وقتيلٌ في جسدٍ واحدٍ
وفي ساحة معركةٍ واحدةٍ ليس فيها سواي ؟!
تتراكم الأسئلة تحت قدمَيْ مخيّلتي مشكّلة جبال دهشةٍ مُنشئةً بينها وديان ذهول :
جبالٌ قمّتها حيرة تتحرّك بسرعة كضوء محبوس في غرفةٍ من مرايا
حتّى تبدو كأنّها ساكنة
ووديانٌ قعرها ثباتٌ ساكنٌ كمرآة انعكست عليها أضواء من كافّة الاتّجاهات
حتّى تبدو كأنّها مُتحرّكة
أين أنا الآخَر ؟
هل سأنتظر الشّمس حتّى تغيب كي ألقاه ؟!
كلاّ ، سأُغيّبك أيّتها الشّمس
أين أضعك حتّى لا أراك ولا ترينني ؟!
هذه جهاتي السّتة : الأعلى والأسفل والأمام والخلف واليمين واليسار
كلّها ظاهرة لي
فأنت أيّتها الشّمس قريبة منّي مع كلّ ذلك البعد
فأنت أقرب نقطةٍ منك إليّ
إذن فأنا أبعد نقطةٍ منّي إليك
سأخفيك فيّ فأنا الجهة السّابعة التي هي مرآة الجهات
ها أنا ذا أمام الزّمكان وطبيعته ومعانيه
والشّمس في داخلي شهوةٌ تشتعل :
أرى آدم ، وقد كانت الشّجرة بجمالها وسحرها وبهائها ونورها وعظمتها
تُخفي القبح والسّوء والشّر والظّلام الذي كان فيه من كتفيه حتّى آخر أظافر أصابع قدميّ الوجود
وكانت تبعث في نفسه الطمأنينة والسّكينة
كان آنذاك في مكانٍ نسمّيه في الدّنيا : زمن أو سنّ الطّفولة
وكان مُحاطا بنظامٍ عظيمٍ منتظمٍ مُنظِّم
نسمّيه في الدّنيا : الفطرة
لكنّه لشدّة إعجابه بتلك الشّجرة بدأ يكثر النظر فيها
فأفرط بالتّفكير فيها والنّظر إليها فغُيّب ـ بذلك ـ عنه جمالها ونورها وبهاؤها وسحرها وعظمتها شيئا فشيئا ، وهذا غيّر النّظام فيه فبدأ السّكون يتحرّك اضطرابا
فصارت تجذبه الشّجرة فبدأ يسير إليها بعد أن تخلخل النّظام فيه حتّى وصل إلى مكانٍ مزلزلٍ و شديد الرّياح ، لقد اختلط ـ حينها ـ الجمال بالقبح ، والسّعادة بالحزن ، والخير بالشّر ، والمعنى بالمادّة . لقد كان يشعر بمعنى تلك الشّجرة العظيمة ، أمّا الآن فقد تجسّد
إنّه الآن يبعد عن سنّ البلوغ عدّة سنتيمترات ومعه حوّاء
لقد غاب المعنى وانكشف الجسد فانكشفت سوءاتهما
وانتشيا إنّما كانت النّشوة هي هذه الأرض ـ الدُّنيا
واكتمل بلوغه فيها
أرى نيوتن عندما ركله أحمقٌ على بطنه
كيف نفر منه
وأراه الآن عندما تنهّدت فتاةٌ أمامه رافعةً فخافضةً صدرها
كيف رفعته إلى السّماء وأسقطته على الأرض
وجذبته إليها ، فاكتشف الجاذبيّة
أرى الآن هذه الجبال المنتصبة وأتساءل :
كيف انتصبت هذه الجبال ؟!
هل انتصبت عندما رأت الوديان ؟!
أتأمّل البحر والغيوم فالأمطار فالبر
أوه ! :
هل البحر ذكرٌ ، والغيوم عضوه التّناسليّ ، والبرّ أنثاه ؟!
تلك حالة زواجٍ مختلفة
أجل إنّ الحبّ بالنسبة لهما معلّقٌ في الأُفق على شكل شمس
فيتكوّن غيما فوقهما يتنزّه ، والشّهوة الرّياح
أرى ـ الآن ـ الكرة الأرضيّة مندهشا :
كيف تُمارس الحُبّ مع الجهات فتنجب الليل والنّهار ، وفي الوقت نفسه
تمارس الحُبّ مع المدى فتنجب الفصول و الأيّام !
إنّها تمارس الحبّ مع الجهات لتنجب المكان ، ومع المدى لتنجب الزّمان
هل المكان والزّمان و الوجود كلّه ليس سوى حركات في سكون ينظّمها ؟!
شرودي هذا جعلني أنتبه إلى هذا القلم وهذه الورقة
كيف يُمارسان الحبّ فينجبان الكلمات
لقد امتلأت بالرؤيا
أريد أن أرتاح .
لكن ماذا سأفعل بعد ما رأيت ؟
سأفتح التّلفاز ، ربّما أنا بحاجة الآن بعد تلك الرؤيا إلى رؤية
مضت ساعات
لقد امتلأت ـ الآن ـ بالإثارة سأغلق التلفاز
لكنْ تبّا !
أين سأفرغ هذا الغضب الهائل الذي امتلأت به الآن وإنّي لا أستطيع الوصول
إلى أيّ مسئول أو حاكم ؟!
وأين سأفرغ هذا الحزن العميق الذي امتلأت به الآن وإنّي لا أستطيع اللحاق بأولئك الشّهداء ؟!
ثمّ أيضا أخيرا كيف سأفرغ هذا الدّم الأبيض الذي صار يغلي ويفيض في جسمي
وإنّي مازلت أعزبا ؟!
الشّمس في داخلي أُطفئ شعاعها وصارت جمرا
تحوّلتُ الآن إلى الحكمة :
أرى آدم قد ضغط على زرّ الجاذبيّة أو سرّ الجاذبيّة الذي كان معلّقا
على لوحة الأزرار أو لوحة الأسرار
ضغط على الزّر الذي يدير آلة الدّنيا وقد كانت مخفيّة بسكونها
إنّه زرّ المعرفة الذي يعرّف على النّور والظّلام ويفرّق بينهما
فأوّل ما فرّق بينهما والجنّة وبين بعضهما بعضا مكانيّا
لقد وُجِد آدم على هذه الأرض في جهة منها ، و وُجدت حوّاء في الجهة المقابلة لها في الطّرف الآخَر من هذه الأرض حيث هو
ولئن كانا ـ من قَبل ـ يبعدان عن بعضيهما خطوة واحدة أو مترا
إلاّ أنّ تلك الخطوة كانت مسافة زمنيّة فتحوّلت إلى مسافة مكانيّة وكانت بذلك المقدار
بعد ذلك الهبوط ـ التّحوّل ترسّبَ الثّقيل ـ الماديّ على الأرض
وبقي الخفيف ـ المعنويّ في الآفاق مالئا الكون كلّه
لقد كانت الدّنيا مخفيّة بسكونها
وعند هبوطهما بدأت الحركة ، وكان آدم شكّل النّهار ، وحوّاء شكّلت الليل
ألهذا فإنّ النّهار ذكريٌّ ، والليل أنثويّ ؟!
أرى ـ الآن ـ لوحة الأزرار ـ تلك ـ كيف انطوت أمام نيوتن ـ رمزا ـ على شكل لوحةٍ صغيرة
كشجرة التّفّاح ، ومدّت له سرّا / زرّا على شكل تفّاحة ليضغط مرّة ثانية على ذلك الزّر
ليرينا آلة الكون والجاذبيّة كيف تعمل
وأنت أيّتها الجبال الشّامخة كيف تشمخين هكذا دون جذور ، ولا تهزّك أقوى الأعاصير ؟!
هل جذرك الأرض كلّها ؟!
أم يا تُرى أنت جذور الأرض ؟!
سأتعلّم منك الشّموخ فأجعل جذوري الإنسانيّة لطالما أنا إنسان
والإيمان لطالما أنا مؤمن
وأنت أيّتها الوديان !
سأصرخ ـ الآن ـ وأنا على حافّتك :
لن أسقط فيك كما سقط غيري حبّا بالسّقوط أو تهوّرا
بل حمقا أتى نتيجة النّفس التي تريد خفيةً أن ينظر إليها الآخرون معجبين بمغامرتها
ولن أبتعد عنك كما ابتعد غيري خوفا منك أو خوفا من السّقوط جبنا
وبخلا أتى نتيجة النّفس التي لا تريد أن تخسر شيئا
إنّما سأقف على حوافك متأمّلا أعماقك حبّا بالعمق :
سأرمي فيك شِبَاك آفاقي لأصطاد أعماقك
لأرى فيها أفقا آخر
وسأصرخ بأعلى صوتي : هِي~ي~ هـهي~ي~ي~ي~ي~ي~ي~...
آه ما أجملك أيّتها الوديان :
تأخذين صوتي القبيح إلى البعيد البعيد
وتعيدينه إليّ موسيقى كأمواج البحر و أجنحة الرّياح
تعلّمت منك الآن كيف أنّ النّظر إلى الأعلى والنّظر إلى الأسفل متشابهان
إنّما الاختلاف يكمن في النّاظِر
البحر ! :
كم هي رهيبة وجميلة تلك التّجاعيد على وجهه وجسده
كم هي الشّيخوخة بحرٌ ، وآه كم ننفر منها !
وكم الطفولة بحر
يا ترى كم شاخ هذا حتّى صار بحرا ؟!
مِن كم طفل وشيخٍ مكوّن أنت أيّها البحر ؟!
كم هو شيخٌ طفل معا هذا البحر
يتبخّر البحر بهدوءٍ ليحلّق ويتنزّه بين أغصان السّماء
البحر الغيم المطر الأرض ! ـ
البحر أمٌّ ، والأرض طفلها الرّضيع
كم هي حنونة هذه الأم ـ البحر : تُدلّي أثداءها في السّماء غيوما
لتُرضع طفلتها الأرض .
آه أينك يا أنا الآخَر ؟!
من أخرجني من الحلم ؟!
لم توقظني الشّمس فمن أيقظني إذن ؟!
ربّما هو ضوء الواقع قد غمزني
تبّا إنّه ضوء التّلفاز
كم هو قبيح
هل يا تُرى صُنّع هذا الجهاز في معمل السّياسة أم معمل الدّعارة ؟!
لا أرى فيه سوى هذين .
أعتقد أنّه صُنّع في معمل واحد ، وهذان هما أمرٌ واحد إنّما يختلف في اللون