في غيابك - صلاح إبراهيم الحسن

ماذا سأكتبُ في غيابكِ
لم تساعدني المدينة كي أمد الحبَّ جسراً بين قلبينا
وأوقظ فرحتي من نومها
لاشيء يفرحني إذن
فالأرض ضيقة على فرحي
أبي : ما عاد يحملني على كتفيه كالعصفور
أمي : لم تفكر أن تؤجل موتها حتى تراك
أخي : كالحلم سافر في ضباب الليل
أختي : استبدلت نهراً بقلب ٍ
أصدقائي : يشبهون نساء قريتنا
ولكن ربما صاروا رجالاً بعد هذا العمر
أنت : الآن غائبة
وماذا سوف أكتب في غيابكِ؟
- أنا -
لغتي تطوف الآن حول الكهفِ
ليل فرّ من عيني نحو الدربْ
ضاقت ضفاف القلبْ
والدرب فرَّ
وصارت الخطوات تكبر بيننا
ها أنت سيدة الجهاتِ
وها أنا الضوء المضيَّع في جهاتكِ
ليس لي ..
إلا الوقوف على بقايا ذكرياتكِ
ربما في ذات سطر ألتقيكِ..
فأحتويك..
وربما أنسى ..
ولكن لا أريد
فكيف ينسى شاعرٌ
من لم تقل بلسانها لحبيبها - أي لي - :
أحبكَ!
إنما كانت يداها مثل عصفورين مرتجفين في ذاك الصباحْ
وأنا أطوف الآن حولهما
أعد قصيدة في مدح ما تركت من الأشياءِ :
صورتها التي علقتها في الروح
_ أي في بيتها المفتوح للذكرى _
وللعطر المخبأ في مناديل الرياحْ
ورواية مرتْ أصابعها النحيلةُ فوق أسطرها
الرواية قصةُ امرأة تحب بكل مافي الروح من شغفٍ ولكن لم تقل :
إني أحبك َ!
والأصابع : حلم عصفور يحب السجنَ
والعصفور : قلبي
كان يخبط في سماء الحب منكسر الجناحْ
والصدفة التي ألقت بنا يوماً على طرفي لقاءٍ
بيننا نهر الجراحْ
إذ لم تلتفت نحوي
لتسكن في قصيدتها الأخيرةِ
كنت مندهشاً كأني ذلك الطفل اليتيمُ
قد التقى بالأم بعد رحيلها الأبديِّ
هل كذب الفؤادُ ؟
وهل رأى البصرُ؟
أم أنه حجرُ؟؟!
لو أنني سلَّمتُ
لو بالعينِ
لارتجف النخيل على ضفاف عيونها
واستسلم المطرُ
* * *
ها أنت سيدة الشمالِ
وها أنا وحدي هنا
أبكي إذا لمحت عيوني طائرا ً
يمضي إلى جهة الشمالْ
وأضيء مثل قصيدة شعراً :
سأسكن في غيابكِ كهف قريتنا
وأدعو الوقت كي يغفو طويلاً
كي أؤبَّدَ في جدار الكهف يوم لقائنا
وأعيد للدربِ الذي وطئته أقدام الأميرة
ما تقدّس من رمالْ
* * *
وحدي أطوف الآن حول الكهفِ
منتظراً قميصكِ
ربما يرتد للقلب الذي اسودّت به الصفحاتُ
نهر الضوءِ
أفتح باسم من أهوى كتاب الغيبْ
لا لم يكن ليلاً
ولكن فاض هذا الحزن من عيني نحو الدربْ
.
أبوكهف 6/1/2006