حليب سال من ثدي السماء - صلاح إبراهيم الحسن

أنتِ الّتي لجمَتْ خُيولَ الشِّعر في قلبي
وأنتِ أميرةُ الفوضى التي في الرُّوحِ ,
أنتِ بدايتي
ونهايتي ,
وأنا أحبُّكِ ,
أنتِ ..
أنتِ حبيبتي
حتّى تقومَ قيامتي
- أيضاً أنا -
إني أحبُّكِ
كي أُعلّمَك القصائد كيف تكتبُ
كيف تكتشفُُ الأنوثةُ سحرها البريَّ
تأتي من غياهبِ هذه اللغة العصيَّةِ
صوتُها من مبهماتِ الرِّيح يأتي
ثم يعبرُ مثل مهرٍ نافرٍ هذي السطورَ
يشتِّتُ الكلماتِ خلفَ وميضهِ
لا شعرَ في هذي القصيدةِ
لا قوافي
حين تقفو خلفَ ضحكتكِ الصَّدى
ما زلتُ أبحثُ في الممرَّات الطويلةِ
عن بقاياها على الأدراجِ
تصعد ..
ثم تهبطُ
ثم أعلنُ أنَّها ضاعتْ
ويكفيني تذكرُها قُبيلَ الفجرِ كي أصحو
لأطلقَ بلبلاً من أضلعي - نسيَ الغناءَ –
إلى المدى
ولكي أرى شمساً وراء الشمسِ تأتي
عن يمينكِ أو شمالكِ
كي يُكسِّر ظلُّك الخمريُّ مرآةَ النهارْ
.
أنتِ التي حملتكِ أغنيةٌ إلى سطح الغُيوم
وصرتِ تلتحفيَن بالأمطارِ
يهمي عطرُك الأزليُّ في الأرض الخرابِ
تقوم أشجارٌ وأنهارٌ
ويجلسُ من أضاعَ طفولةً أولى
يفتِّشُ عن طفولتكِ التي أهديتِها للبحرِ
ماذا سوف يكتبُ ؟!
قال بحار عتيقٌ : هذه الأنثى البريئةُ
هذه الأنثى تعلمُنا بأن الحبَّ يختصرُ البحارْ
.
أنتِ التي سكنتْ خيامَ الليل في صدري
تسابقتِ الحروفُ إلى كتابةِ نبض خوفكِ في دمي
والوقتُ أدركني
فهل بعد العشيِّة من لقاءٍ
يجمع الجسدينِ في ليل التهيؤِ للقيامةِ
بين صوتِكِ وانطفائي في شفاهِك
قبلةٌ أولى
نؤجِّلها إلى أن يلتقي البحرانِ في عينيكِ
أو شطرِ القَصيدةِ حين تسألُ :
هل سيذكرُ شاعرٌ أطلال حبٍّ دارسٍ يوماً ؟
وهل يبكي عليكِ ؟
على الذين تقاطروا خلفَ الظَّعائنِ في صحارى القلبِ
يرثيهُم ببعض الشِّعرِ
ثمّ يضيفُ صفراً آخراً للعمرِ ,
هل ( كرهاً ) سينتبذونَ أوطاناً
تعارفنا على نسيانها في وقتِ محنتِها؟
وهل ( خوفاً ) ستبتسمُ الخريطةُ
للجنود العابرين النَّهرَ في هذا الصَّباحِِ ؟
إلى مدائنك التي نسيتْ ملامحها
أم يجلسُ الشُّعراءُ حتى يكتبوكِ
ومثلما كتبوكِ
مختلفين في لغة الطيورِ
وفي العطورِ
وفي النساءِ
وفي حليبٍ سال من ثدي السماءِ
وفي الدَّماءِ ,
إذا تغيَّرَ ما بأنفسهم ،
وفي تجديدِ حزنِ الغيم ،
في تحديدِ نسلِ اللوزِ
في التدويرِ والتَّربيع ،
في ترتيب ألبومِ العواصمِ ,
في ولادة شاعرٍ أو موتهِ ،
كتبوكِ مختلفين في شكل الرَّغيفِ
وطعمهِ ،
تركوك في الصَّحراءِ أغنيةً
تفسِّر غربة الشُّعراءِ عن كلماتهم
وأنا هنا ما عدتُ أقدرُ أن أهجِّيَ دربَ قلبكِ
جئتُ يحملني الخيالُ
وتستبدُّ بي المخاوفُ
أقرأ التاريخَ في أطلالِ بيتٍ
خِلتهُ سجناً
وعذّبني غموضُ الحرفِ في اللغةِ القديمةِ
من يفسِّرُ صوتك القدسيَّ في ألواح طينٍ؟
من سيقرأُ ما تركتِ من الكلامِ / العطر ِما بين السُّطورِ؟
ومن يبارك ضوءَ بدرٍ في المقدِّمة الطويلة ينتثرّ
.
أنتِ التي ملكتِني صوتي
لأَجلِسَ فوق عرشي
هذه ريحي تمزّق ثوبَ خوفِكِ
قد أُريكِ المعجزات
وبعض ما أوتيتُ من مُلكٍ
على صغري وكرهي للعروشِ
يطوف حولي الجنُّ ليلاً
والملائكة الكرامُ
وبعضُ من أعطيتُهم أسرارَ غيبكِ
إن عرشَك هاهنا
لا ترفعي عن ساقك النهريّ ثوباً
واعبري لججَ المعاني
واستريحي بين أغنيتين
في صدرِ المغنّي المحتضرْ