حـنين - طلعت سفر

· إلى العزيز:
فريد سفر
*
فرش الحزن في الجوانح... مَهْدا
ليت عينيْكَ تبكيان.. فَتَهْدا
تعبتْ من جَفاكَ نُعْمَى الليالي
كلما قرّبتْكَ... تزداد بُعْدا
وقليلٌ من الأناةِ... كثيرٌ
لمجّدٍ.. لَهَا به الدهرُ... جدا
هدهدتني الأحزان... مذ كنتُ طفلاً
وعلى صدرها بلغتُ الأَشُدَّا
أَتَصبَّى منىً... لِبْسَنَ سواداً
وزماناً صعْبَ المداراةِ... جَحْدا
لم أُجرِّدْ سيفَ الصبابةِ.. إلا
صَنَعتْ كفُّهُ من الشيب... غِمْدا
ملأتْ بالهمومِ... أَصْبار كأسي
فشربتُ الأيام دمعاً... وسهدا
هدأتْ سورة الشباب... وظلْمٌ
أن يسور السباب حيناً... ويهْدا
طرّزتني يدُ المشيب...
حنيناً
غيرَ أن الشباب أحلى وأندى
أي شوقٍ.. هذا الذي
في ضلوعي!!
ماتوارى.. إلا صحا... وتبدّى
ذهب الغِيدُ... بالكثير... ويبقى
لصحابي... ما يغمُرُ الكون.. وُدّا
يهنأُ العيش... إذ أكون وصحْبي
نتساقى وليس يهنأ... فَرْدا
أنا رغم الجفاء... أحمل أصحابي...
...بعينيّ... كبرياءً... ومجدا
وأنا الصادقُ الوفاءِ... ولكنْ
جرّحتْني أظافرُ الصحْبِ عَمْدا
سربلتني نبالةٌ... وكفاني
أن قلبي...
لا يعرف اليومَ...حِقْدا
وأداري.. عمن أُحب اشتياقي
طالما ظنَّ بي جفاءً... وصدّا
بعيون الوفاء... يغتسل القلبُ...
... ويحسو حمر المدامع وجدا
عشَّشَتْ في رحابه ذكرياتٌ
ماتغنَّتْ... إلا اطمأَنَّ... وأَصْدى
أستعيدُ الأيام... في كل حين
بمراحٍ لها بقلبي... ومغدى
في غدٍ... يرحل الصِحابُ...
وتنأى
بَسَماتٌ كانت سلاماً... وبَرْدا
حيّرَتْنا منذ القديم... المنايا
إن تسلني...فلستُ أملِكُ ردّا
أفبعد الضياع... ثمَّ ضياعٌ
أم ترانا نلقَى مع الله خُلْدا؟
إن للموت.. ألف سيفٍ صقيل
كلما فلَّ حدُّهُ... سنَّ حدّا
صادق العزم... مانَبا أو توانى
عن لقاءٍ، وليس يملك جُنْدا
بعثرت كفّهُ رياضَ الأماني
لم تدعْ برعماً... ولم تُبْقِ وردا
أيها العابثُ... المجدُّ به السّيْرُ...
تمّهلْ... إلامَ تبقى... مُجدّا
قد نثرتَ الأحباب...
في كل صوبٍ
وتركتَ العيونَ كالجمر... رُمْدا
لاتكن ظالماً...
إذا ما تملَّكْتَ...
ولا آسناً... إذا كنتَ وِرْدا
ياسواراً...
في مِعصم العمر صُلْباً
أي شيءٍ يدعوكَ كي تَشْتَدَّا؟!
دعْ لنا حَبْرَةً... أما لكَ قلبٌ؟
يكتسي رقّةً... ولو كان صَلْدا
كنْ شفيقاً... إذا لقيتَ الحزانى
وترفّق...
إن كنتَ خصماً أَلَدَّا
ساءَ عيشٌ...
وقفتَ في جانبيْه
دعْ لنا جانباً من العيش... رَغْدا
عَدِّ عمّن نحبُّ حيناً...
أتخشى من هروبٍ؟
ومالنا عنكَ مَعْدى
سكنْتنا مهابةٌ... وانتظارٌ
فمتى تنجز المقادير.. وعدا؟!
أتراه.. قد رنّقَ الموتُ حتى
صار جِلُّ الأمور في العين زَهْدا!!
أيها المزمعون... عني رحيلاً
إن ذهبتم.. أمتْ حنيناً... ووجدا
بي فؤادٌ... لا يستحيلُ... وجفنٌ
كلّما هزّهُ التذكُّرُ... يَنْدى
أيّها الموتُ! قد أخذتَ كثيراً
لم تدعْ ساعداً... ولم تبقِ زَنْدا
فبحسبي... أني أودّعُ بعضي
وكفاني به مُصاباً... وفَقْدا
ما أَلمَّتْ... سنابلُ الصَّحبِ... حتى
حَصَدْتُها يدُ المقادير... حَصْدا
رحلَتْ أعينُ تفيضُ ابتساماً
أمسِ حدثتُها.. وقبّلْتُ خدّا
أمسِ.. كان الزمانُ طلْقاً...
وكانتْ
ضَحِكاتُ الزمان.. تَنْهَلُّ عِقْدا
هكذا... ساحلُ الوجود... وفيهِ
تترامى الحياةَ... جزراً... ومدّا
ليتني كنتُ... ديمةً من حنانٍ
تُمْطر الراحلين... لحداً... فلحدا
*
1985