آمنة - عبد الرزاق الدرباس
هكذا فجأةً .. و دونَ ابتداءِ
سرقَ الموتُ روحَها في المساءِ
أُنشِبتْ للردى أصابعُ غدرٍ
باقتدارٍ و رهبةٍ و دهاءِ
و استبدتْ شهقاتُ موتٍ خفيٍّ
أطبقَ الصدرَ ظامئاً لارتواءِ
لم تجدْ قربَها شقيقاً لتشكو
قسوةَ النزعِ و انسدادَ الهواءِ
لم تجدْ من يردّ لفظ " وداعا"
أو توصّي، فاليومُ يومُ التنائي
ربما حرّكتْ يديها لتلقى
أيَّ كفّ تردّ حكمَ القضاءِ
ليتها ودّعت أو بكتْ أو رأتْ
وجهَ ابنٍ من ستةِ الأبناءِ
كم تمنّت !! و ياانطفاءَ الأماني
لحظةُ الفقدِ غصّة الغرباءِ
وحدَها واجهتهُ صمتاً و صبراً
أسلمتْ روحَها برخصِ الغلاءِ
فاضتِ الروحُ بين ضعفٍ و كبتٍ
و هوى نجمُها الذي في العلاءِ
غربةُ الأهلِِ ، والمكانُ ، و ليلٌ
سرعةُ القبض ِ، يا ثقال البلاء ِ
كيف نامتْ وحيدةً ؟ كيف صاحت؟
و مُحالٌ – أختاهُ – سمعُ النداءِ
ليت أني دثرتها بدموعي
من رياح النّوى فما مِن شفاءِ
ليتني !! ليتني !! و لكن محالٌ
ما لسهمِ المنونِ من شفعاءِ
غادرتنا في سرعةٍ و ذهول
جمرُه في النفوسِ نارُ اصطلاءِ
آهِ يا أختُ ! يا شقيقةَ حرفي
و حياتي ، و نعمتي ، وابتلائي
أمطرَتكِ الرجالُ دمعاً هتوناً
أرخصتْ فيكِ ذروةَ الكبرياءِ
بردُ ( تشرينَ ) أم حرارةُ صدري ؟
أم بكاءُ الأطفالِ و الأقرباءِ ؟
و اخضرارُ الزيتونِ يسْوَدّ لما
يعزفُ الموتُ نغمةً للحُداءِ
كلما هزّني لملقاكِ شوقٌ
أخمدَ الدمعُ وهجَ شوقِ اللقاءِ
*** *** ***
يا زهوراً منثورة فوقَ قبرٍ
آ نسيها في وحدةٍ و جَفاءِ
يا رياحاً تمرّ بالقبرِ هاتي
طيفَها عابراً بالّلألاءِ
يا تراباً يضمُّ ذكرى الغوالي
يعدلُ التبرَ في يدِ الحسناءِ
عشتِ للطُهرِ و الكفاحِ قليلاً
مثلَ وشم على جبينِ السّماءِ
عفّةُ النفسِ ، رقةُ الطبعِ ، صبرٌ
خجَلٌ ، واجبٌ ، بحورُ السخاءِ
سوفَ تبقينَ في الزمانِ حديثاً
لا يملُّ التكرارَ في الجُلَساءِ
و على ضفّةِ الفؤادِ وروداً
ترتوي من شِغافهِ و الدماء ِ
و من الروح أنت نبضٌ و روحٌ
حيثما سرْتُ رفرفتْ بانتشاءِ
لسْتُ بالميْتِ بعدَ أن غبتِ عني
غيرَ أني ما عدْتُ كالأحياءِ
لكِ منا – ما أمهل العمرُ – ذكرى
و صلاةٌ تضمُّ صدقَ الدعاءِ
و من اللهِ رحمَةٌ و جنانٌ
و حريرٌ ، و سندسُ الأولياءِ
سوفَ تلقينَ عندَ ربّي نعيماً
كي ينسّيكِ ما مضى من شقاءِ
هي – ياربّ – ضيفةٌ و قِراها
جنةُ الخُلدِ ؛ منحةُ الكُرَماءِ