العزلة - عبد السلام العجيلي

أطلَّ شعاع من سنا البدر شاحبٌ
على كوخيَ المهجورِ وسط فلاةِ

أضرَّ به ليلُ الخريف فأمَّني
به رعدة مقرورة الرعشات

يهمُّ بكوخي لاجئاً فتصدُّه
هلاهيلُ من أستاريَ الخلقات

فيا ضوءُ لا كان الستار وسترهُ
إذا حال بين اللحظ والومضات

أقمتُ ستوري دون قلبيَ والحجى
حجابَ القذى للأعين النهمات

عيونٌ بها من وحل آدم لوثةٌ
ترى الروحَ من اثنائها الغبرات

فهل بين أفلاك السماء نواظرٌ
رمت بسليل النجم في الفلوات

أم ارتدْتَ مجهولاً فأغرقك المدى
وغصَّ عليك الدربُ بالعقبات

أرى فيكَ من روحي العيوفِ مشابهاً
وفي خوضكَ المجهولَ من نزواتي

كلانا يرى الدنيا تضيقُ به مدى
فيلقي بعيد الهمِّ في الظلمات

وصفَّتْكَ نار الشمس في اتونها
وصفتنيَ الآلامُ بالحسرات

يظن بنا الرائي سكوناً من الوجى
وأيُّ حرَاكٍ خلف ذي السكنات

سناك ارتعاشاتُ العوالم والدنى
وأمواجُ نورٍ جائش الحيوات

وكل انتفاضٍ أعجز الحسَّ خلقهُ
تبلْور في قلبي على النبضات

تقاذفتِ الأجرامُ نورَكَ مثلما
تحامتْنيَ الأرواحُ وهي لِداتي

فجابت خطاك الكونَ وهي طليقةٌ
وظلَّت لصيقاً بالثرى خطواتي

كلانا به همُّ الوجود وغمّهُ
وزدتُ عليك العقل عبء حياة

يقيّدني بالترب والتربُ مجّني
ومجَّ لساني طعمَه ولهاتي

أليس حراماً تملكُ الروض نحلةٌ واعقلُ محروماً شذى الزهرات

وترشف من نار السراج فراشةٌ
وتظما على نبع الردى شهواتي

وفي الليلة الظلماء يا بدرُ ان ترى
ستاري مسدولاً على الجذوات

أنا منكَ يا نورَ النجوم وان رمتْ
بي القيْد نزغاتٌ من النزعات

عجزتُ أحوز الوهمَ دونك والمدى
وجزتَ ، لقيتَ الرحْبَ في جنباتي

يقيك الخريفَ الكزَّ يا ضوءُ انني
نبذتُ خريفي من طريقي حياتي

كجدعٍ أتى تشرين عريان لم يهبْ
إذ هاب عصفاً مورقُ الشجرات

ومن عجبٍ أن يؤنس العقلُ وحدتي
وفي قيظه قد صوَّحت ورقاتي

وإنَّ امرءاً أعدى عدوٍ أنيسُه
لفي وحشةٍ في عزلة العزلات