مذبحة أيار - عبد السلام العجيلي

مهداة إلى روح الضابط الوكيل "الطيب شربك" قائد حامية البرلمان ورأس شهدائها.

______________

عقدوا اللهيبَ على قبابكِ غارا
وكسوْك من حللِ الدخان إزارا

قصفت مدافعُهم وأزَّ رصاصهم
في عرس مجدك يا دمشق غيارى

ورموكِ بالجيش المحطَّم لم يُجدْ
إلا فراراً في الوغى وإسارا

وبكل أخرقَ في فرنسا فاته
عارُ الهزيمة فأبتغي بك عارا

باريسُ شارية النجاة بعرْضها
بعثتْ تسومُكِ بالنجاة صَغارا

المستجيرة من حرابِ عدوّها
بنعاله تطأ الرقابَ جُبارا

ذلَّتْ لهمهمة الغزاة ببابها
والجيشُ كان ببابها جرّرا

فجثتْ تضرّعُ بلدةً مفتوحةً
وأبيتِ إلا يا دمشقُ حصارا

يا برجَ ايفلَ انت أدنى في الورى
من برجِ دنكزَ رفعةً وفخارا

خفقتْ من الغازين فوقكَ رايةٌ
لما أبى إلا الأذانَ شعارا

تلك الصدوعُ السفعُ في أحجاره
أضْحت على درْب الخلود منارا

الله أكبرُ جلجلتْ من فوقها
تدْوي تحدّي فوقها الطيارا

فرمى قذائفه الجبانُ بغليّه
ورمى المؤذن دعوةً معطارا

الله أكبرُ لم تزلْ صخَّابةً
خسئَ الردى ، لن يخرس الاحرارا !

***

الشمسُ لملمتِ الشعاعَ وصافحتْ
في الغوطتينِ الايكَ والأطيارا

درجتْ على سفح الغروب ضنينةً
بشذاها أن يفغمَ الأسحارا

لو تستطيع على المدى ما غيَّبتْ
عن جلّقَ الأضواءَ والأنوارا

بلدِ الفتونِ ترى على علاتها
والثورةِ الحمراءِ حين تُضارى

لولا السجايا الشمُّ في أعراقِها
ما أمَّنتْ من بطشها الغدارا

ظنَّتْ بشُذّاذ الحروب شجاعةً
تحمي أذاهم عزَّلاً وصغارا

فغفا على الظنّ الكريمِ كماتُها
وصحا الهوى في الغوطتين وثارا

بردى يسوقُ الموجَ في أعطافه
نسمٌ كأنفاس الحبيب عطارا

أومأ إلى شمس الأصيل مودّعاً
زحف الدجى فالى اللقاء نهارا

ففرى الرصاص من الأصيل سكونه
وبدا الجبانُ بوجهه ختّارا

عارٌ ، له بردى تنهَنهَ وانزوى
وشجا ذكاءَ فأسرعتْ تتوارى

***

الليلُ ، ذاك الليلُ ، كم في طيّه
من تائهينَ على الدروبِ حيارى

سدَّ الرصاص عليهم طرق الرّجا
وبنى الظلامُ عليهمُ الأسْوارا

ومن القلوبِ الخافقاتِ ترقبا
ومن الدموع الجاريات حرارا

الأمهاتُ رقبْن في جنحِ الدجى
أبناءَهنَّ وما شفيْن أوارا

والبائتون على الطوى لم يطْعموا
والبائتاتُ لرضّعِ أظئارا

والآمنون تهدَّمتْ من فوقهم
ظُللُ الامانِ وهتكت استارا

جُنَّتْ بأحشاءِ الظلام مدافعٌ
وكأن فيها من ذويها سُعارا

باتت تصبُّ الموتَ من أفواهها
وتدكُّ فوقَ الوادعين ديارا

في الليل برقٌ من سناها لامعٌ
وصدى يفتّتُ رجعُه الاحجارا

نقمٌ أعِدّتْ للغزاة وبأسهم
ورموا بها الغافين والسُمَّارا

لو في المعاركِ جرّبوا نيرانهم
لافي الحبوسِ وما استثرنَ مثارا

كم موثقٍ لمسَ النجاة بكفّهِ
لعبَ الرصاصُ بكفهِ فأطارا

ومقيَّدٍ كان الحديدُ قيودَه
فغدا الردى غلاً له وسوارا

ومضرَّجين إلى الخلاص تدافعوا
نحوَ المنافذِ والدماءُ تجارى

خاضوا البطونَ تقطعتْ أحشاؤها
ومشوْا على مِزقِ الجسومِ سكارى

حتى إذا بسمَ الرجاء بوجههم
هدَّتْ عليه القاذفاتُ جدارا..

تلكُ الفظائعُ لا فظائعُ بلسنِ
ملأوا بها صدرَ الدّنى اخبارا

أترى بنتوّ حين أمد خنجراً
في ظهرهم ، ضلَّ الطريقَ وجارا ؟

نزلُ الجبانُ على جبانٍ مثلهِ
فسقاه من جُرَع الهوان مرارا

وإذا أردْتَ من اللئيم تشفياً
فاحمل عليه صِنوه الخوَّارا

***

يا يوم يوم البرلمان وجندِه
غيَّبْت في ذاك الدُّجى الاقمارا

وقفوا وللعلم المرفرفِ فوقَهم
خفقُ القلوبِ المشفقاتِ حذارا

نذروا النفوسَ على الحرابِ رخيصةً
لا ينحنون لغيرهِ إكبارا

علمي ازدهرْ ، ما تلكُ أوَّل ثلة
أهدتْ إليكَ نجيعها الفوّارا

ضرّج نجومك بالدماءِ وتِه بها
لوناً إذا نصلَ المدادُ وحارا

قانٍ تدفَّقَ من جراحِ أعزةٍ
يحدوهمُ بطلٌ أبرَّ فخارا

ثبتٌ على نارِ الكفاحِ جنانهُ
إن عضَّتِ الحربُ الهلوعَ فخارا

يختالُ أسمرَ والشجاعةُ مثله
سمرا لوناً والقنا خطارا

ما زال في تلك الدجنَّةِ صامداً
حتى إذا أفلَ الكواكبُ غارا

يا طيباً والطيبُ فيك سجيةٌ
أبعدْتَ داراً وانتأيتَ مزارا

خفقاتُ خطوكَ لم تزلْ في مسمعي
والذكرياتُ أصوغُها أشعارا

أخبا الشعاعُ بعين صقْرٍ جارحٍ
وطوى الرّدى ذاك الشبابَ ووارى

والليلةُ الليلاءُ كيف قضيتها
في القِّلةِ العزلاءِ تحمي الدارا

نفذ الرصاصُ من الصخور فلم تجِدْ
غيرَ الصدور بها تصدُّ النارا

ناضلْتَ حتى خضَّب القاني الثرى
والصخرُ ملَّ نضالك الجبارا

فسقطْتَ عن حرمٍ تصدَّعَ ركنهُ
قد كنتَ تُمسِكُ ركنَه فانهارا..

قلْ للمريدِ من العلى أمجادَها
متْ هكذا أو خل عنك الغارا

للهِ ضربةُ بلطةٍ في منكبٍ
ما انحاز عن صدر العدى اودارا

ضرباتُ لصٍّ في الظهور ومن رأى
لصاً تطلَّع في النُّحور جَهارا

تيهي فرنسا صرح مجدِك باذخٌ
قتَّلتِ جرْحى وابتليتِ أسارى

يا أمة أسمى مفاخرِ شعبِها
أيام فيها الشعبُ جُنّ وثارا !

***

قفْ بالطلولِ الناطقاتِ رسومُها
بالويلِ ، واحبسْ دمعكَ المدرارا

نبكي على طلل الأحبة إن نأوا
ونقلُّ في ساح الوغى استعبارا

نحنُ الذين بلا الزمان مضاءنا
فرمى بنا العاتينَ والفجَّارا

في كل قفرٍ من دمانا واحةٌ
تربي الإباء وتنبتُ الأحرارا

قُدْنا الشعوبَ إلى الهدى حتى إذا
ملكت هدانا غمَّتِ الأنوارا

وتحيَنت ضعف النسور وما درت
أن الفراخَ تولَّتِ الأوكارا

قل للمعيدِ بذله ودموعهِ
آثارَ مجدٍ ودّعِ الآثارا

ان كنتَ طالبَ عزة يوم الوغى
فاصمد بجيشكَ في حماةَ نهارا

وانظر إلى الجبل الأشمّ ومت به
كمداً ، فما بك ان تموت شجارا

أبناءُ معروفٍ على شرفاتهِ
حطمُوا قناكَ وقلموا الاظفارا

حتى الرّدى منعوا عليك حياضه
سل سرَّزانَ ودمعَهُ الهمارا

الموتُ في تلك الشعاف قلادةٌ
للنسر لا للمدَّعي استنسارا..

"ديغول" أغمضْتَ الجفون على القذى
ورقدتَ عن سهمٍ بجنبك غارا

حدْ عن طريقِ السيل لا تغرق به
من أنت حتى تجبهَ التيَّارا

ترجو رجاءً والحياةُ وأهلها
تبني سواه ، فغالبِ الاقدارا