جدل - عبدالناصرحداد

.. على عدم واسع نبتَتْ عشبة ٌ
قيل عنها الخرافةُ
تطلع في الظلِّ والصمت فوق سرابْ
وعلى عدم ضيِّق
طلعت وردة تتحدَّى الخرابْ
...
حين تمشي النهايات نحو بداياتها
حين تكتمل الحلقاتْ
ترسل الريح أحلامها في الينابيع ، يغفو ترابْ
حين يصعد طير على جثة الطينِ
أو حين يصحو رمادْ
تتخطَّى القصيدة أفلاكها
تتمشَّى إلى مقعد الربّ مثل صلاةْ
حين لا حين إلا لحين الحياةْ
تشهق الجمراتُ.. وتطلع كينونةٌ من عدمْ .
...
قلت : أستقبل الروح بالروحِ
لا وقت للموت في فرح أو ألمْ
نحن أصحاب قلب الفراشةِ
تنمو جوانحنا في الهمومِ
ويثقل كاهلَنا درنٌ في الترابْ
...
قلت : بالروح أستقبل الروحَ
أُجلسها فوق عرش الحريرْ
ثم أرتكب الوردَ
لا بد لي من شذىً ينعش القلب َ
حتى الخريف الأخيرْ
وأقترف النجمَ . لا بد من كوكب في ظلام المصيرْ
سأخترع الدرب.. لي ساعة وأغيبُ
ولي لحظة أستحق بها العيش أو لحظتانِ
سأخترع الدرب حيث أسير
ولي كل هذا الخراب أسمِّيه أرضاً
وأحرثها بالهواجس ، أزرعها بالأملْ
وأحصد في آخر العمر عمري
ولي هاتف الحب لا الحبُّ
لي سكْرة الحرف لا الحرفُ
لي عبرة في الصدى
وأنايَ البعيدة لي
لا(هو)الـ في العيونِ
ولا (هي) فوق المرايا..
...
سأقترف الشجرات وأنمو
على حجر في الزمانِ
على تربة الوقت أو في الرمادْ
ليس لي ثقة بالغمام وبالأمنيات
سأقترف الشجرات
إلى أن نموت معاً واقفينْ
تبخَّر جيش المياهِ
وطارت جيوش الترابِ
ولابد من حجر راسخ ومكينْ
على حجر يكتب الخالدون مسيرتهم في الزمانِ
على حجر في المكانِ
على حجر سأصلِّي
صلاة الشعوب التي في المكان ..
التي في الزمان .. التي وقفت ..
والتي لن تموت سوى كالشجرْ
فلا موت في الوقت حين يهبُّ الفرحْ
ثم حين يهب الألمْ
ثم لا حين إلا لتطلع كينونة من عدم .
...
سنقترف الشجرات إذن .
والقصيدة ، والأحرف الطيّباتِ
سنرتكب الشعر في كل فاصلة في زوايا الحياة .. هنا
في رؤانا البهية ينبلج الصبح في هيئة المعجزاتِ
ونسأله عارفينْ :
أنموت هنا واقفينْ ؟
ثم نسأله عارفينَ : هلام هو الموت أم حجرٌ ؟
ينبغي أن يكون من الطين شكل لهذا الجسدْ
أن تخرَّ له ناره .. أو يكون الدخانُ
دخان هو الموت أم مطرٌ ؟
ينبغي أن يكون من الماء فصل لهذا الجسدْ
أن تقوم عناصره .. أو ينام إلى أبد في سكونْ
سكون هو الموتُ
هل من أحدْ ؟
ينفخ الروح في أرضنا
كي نمر على أول الشجراتِ
ونقطف ثوباً لسوءاتنا ..
سوف نكتب أسماءنا ذات يومٍ
على الماء يرحل غيماً
على مطر ذاهب في الجذورِ
على جمرة أو شعاعٍ
وننقشها في العيونْ
تقول الحكاية : كنا ..
وكنا ..
نقول : أجل . ونكونْ
نكون القدامى الأوائل والقادمينَ
نكون الذين سيأتون من نسغنا
ونكوِّن ما سنكوِّنُ
مملكة للخراب ، ممالك للدودِ ،
ظلاً يغادر صاحبهُ ،
وغراباً لكل شقيقينِ ،..،..
لكننا سنكونُ
فلا موت إلا السكونُ
ولا حين إلا لحين الحياةْ
تعمِّدنا الشجراتُ
وتزهر أغصاننا في العدمْ .
...
على عدم واقفونْ
وفي عدم واقفونْ
ومن عدم هاربون إلى عدمٍ
نحن أصحاب قلب الفراشةِ
لا.. ليس يكسرنا غير هذا السكونْ
نحن أحفاد شعب الفراشاتِ
نحلم بالورد والأغنياتِ
وبالريح ترسل أحلامها في مياه الينابيعِ
قلنا لكم : ليس يكسرنا غير هذا السكونْ
ولا موت في فرح أو ألمْ
ستعبدنا الشجراتْ
حين لا حين إلا لحين الحياةْ
...
ونسأل عن أحجيات رمتنا
على صخرة الذكرياتِ رمتنا
على كتف الريح تحملنا كلَّ آنٍ
على نغم العاصفاتِ
ونسأل عن سر هذي المسافةِ
بين الوجود وبين الرمادْ
هبَّةٌ من فرحْ
ونطير إلى حتفنا ذاهلينْ
ثم يخلو المكان سوى من أثرْ ..
وبالروحِ
نستقبل الروحَ
لابد من قمر لنحبَّ السوادَ
ولا بد من أحرف من مدادٍ
لندخل في كاف كِلْمتنا
ثم نخرج من نون هذا الزمان..
سيصعد فينا الشجرْ
على تربة العدمِ
ثم يصعد فينا الوترْ
على نغم الألمِ
ثم يصعد فينا بشرْ
يرفضون الحيادْ..
...
واقفون على عدم واقفونْ ..
ومن عدم هاربون إلى عدمٍ
نحن أحفاد شعب الفراشاتِ
قلنا لكم : ليس يكسرنا غير هذا السكونْ
ونقول لكم :
.. نارَكم
نارَكمْ..
.. ناركم ..
لنحرق أنفسنا بلهيب الحياة