أمي العريقة - عبدالناصرحداد

أمي تزفُّ إلى دمي أشعارها
وتضوع عيناها رؤىً
كيما تسدِّد لي خطايْ
كن آدميَّاً يا فتى
واحذر شرور الذات إن النفس شيطان رجيمْ
واحفظ هواكَ ومحتواك ْ
وترنُّ في أذني وصاياها
وأدعية السلامة والحياة ْ
أمي أنا أمِّـيَّـةٌ
لكنها علاَّمة بي منذ أن حطَّت عليَّ البارقاتُ
وصاح صوت في منامي : يا صغيرْ
للشعر أجنحة وللأفق اختصار في يديكْ
فانشر رؤاكَ ومبتغاك ْ
- أمي .. تقمَّصني الهلاك ْ
- لا يا فتى أنت الأمير ْ
وترنّ في رأسي حكايات الطفولة عن ملاك ْ
جعل القصيدة مبتداه ومنتهاه
حتى يباركه الإله ..
– أمي ورأسي كيف يرتاح ُ؟
- انتظر .. (وتلفُّ كفَّاها جبيني
بسم الـ...رحيم
باسم العليم
....
أمي تزف إلى دمي أفكارها :
إن النجوم لها صدى فينا
وفينا من معادنها الكثير ْ..
ألعمر برق والضياء هو الأثر ْ
كن يا فتى غصناً
ولا تكُ وردة ليست ترى مقدارها
فالعود يثمر إن رعته يد القدر
– والماء ؟..
- إن الماء يا ولدي خطير ..
أمي تزف إلى دمي أسرارها :
ألماء عشقي قبل والدك المكافح ِ
هل ترى شجراً وغيماً دونه ؟
أم يا ترى
ما معدن البشر الحقيقيِّ الذي فطر الحياة!؟
ألماء يا ولدي دم الروح ِ
اختصار الكون في الكائن ْ
- وهل للماء أجنحة ٌ؟
- أجل ْ.
وله أكفٌّ بالمئات له مدائن ْ
ويقول ربك : يستوي عرشي عليه
أمي تبسمل قبل أن تشرب ْ
وتقول : إن الماء لا يُغْلَبْ
وتبيت صاحية ً
ترفرف حولها أقمارها البيضاء ُ
تكمل للسماء حوارها ..
: آمين يا أمي ؛ ويا ربُّ استجب
كان الدعاء شعورها وشعارها
أمي تزف إلى دمي أخبارها :
كنا ثلاثاً يا صغيري
كنت صغراهنَّ
جدك ما انحنى يوماً لنائبة ٍ
وأمي ظهره كانت
وكانا واحداً في اثنين كالمعشوق والعاشق ْ
- هما طيرانِ..
بل ملكان في طيرين . ربك يعلم الأسرارَ
أما الدار كانت ملعباً فأبي هوايته الزراعة ُ
كان ورد في حديقتنا وأشجار كثيرة ْ
ورأيت أمي ذات يوم تجمع الأزهارَ
تصنعها شراباً للضيوف .. فكلَّـمتها زهرة ٌ
لم أدر ما كان الحوار ، رأيت أمي خلَّفتها وحدها
حتى الصباح وإذْ بها قد أُذبلت ..
أمي ترى في أمها أطوارها
لمَّا ترِثْ منها سوى قصص التراث ِ
وبعض أبيات (المعادة) والرثاءِ ..
وكان جدك مستقيماً يا ولد ْ
ما ضاع فرض منه أو سنَّةْ
حجُّوا وإخوته على (البعران) .. كانت أشهراً ...
– والحرب ؟..
- كان مجاهداً
بل كان قائد فرقة الثوار في (الدير العتيقِ)
وكل محتل فرنسيٍّ يراه يهرولُ
( أمي ترى في جديَ المرحومِ عنترة الزمان ..
وكان جدك لا تروق له الخرافة مثل جدتك
اشترى يوماً غراباً
قال : سعد ٌ
وهي قالت :
شؤمه لا يرحل ..
شاب الغراب ولم تشب أمي العريقة ُ
قلبها طفل وعيناها شهاب أكحلُ
لمَّا تشخ بعد .. ارتمى سبعون عاماً مجهداً في ظلها
فطوت عليه جناحها وخمارها
أمي تظن الدهر لا يكفي ليعترض الزمان قطارها
وتقول : إن الوقت لا يلعبْ
مهما يشيخ المرء أو يتعبْ
وتظن أن العمر لا يكفي لكي تجني الحياة ثمارها
أمي
تحاصر
في الزمان
حصارها
وتقول للمرآة يكفيني صغاري (عمَّروا وثمَّروا ) وتكفكف الكفان عن أهدابها أقمارها