بكائية الوجه الآخر - علاء الدين عبد المولى
9/ ذو الحجة/1411
12/ ربيع أول/ 1412
لشقاء الروح أتلوه بياني
وأضمّ الفَرَح الضَائعَ في كلِّ مكانِ
هو رؤيايَ الّتي تُشرقُ في ليلِ كياني
هو رؤيايَ الجديدهْ
في قصيدهْ/
... ... ...
كيف لا تنهض في ذاكرتي عيداً جديدا
ليَ من أهوال صحرائكَ صوتُ الفاجعَةْ
فأعدْ حلماً شريدا
من متاهات الجهات الضَّائعهْ
حين هاجرتُ بشريان المراثي
كوكباً يُرمى حطاماً في حطامْ
لم تضئني الشّمسُ
لم تهبط عليَّ النّفسُ من عالي المقامْ
قلت: لو وجهكَ قنديلٌ تدلَّى
لسفحتُ القلبَ ياقوتا عليكْ
فاذا لُوِّثتُ فاسكبْ فيَّ ينبوعَ الهدى
واقرأ على روحي السّلامْ...
أسلمَ الخلقُ خفاياهم إليكْ
لم نهاجرْ بعدُ، لم نُسقِطْ لحاءَ الحُبِّ عن أشجارِنا
إنّما هاويةُ العمرِ ملأناها خطايا
فلتباركنا بنيران يديكْ
صدىءَ الايقاعُ في كهف الخلايا، هل ترى
سقط الكونُ، جرى
دمُه بين العشائرْ
والثَّرى
مدن تمسخها الحربُ ويُطوى إرثُها
لم يزل منتظراً في بطن وادٍ حرثُها
أن يعيد الماءُ أسماءَ الحصادْ
بعد أن ألقت ثعابينُ السَّوادْ
نسلَها في كلّ وادْ
وانتشى الطّاغوتُ في أعماقنا يَهْذي:
/حرامٌ زهرةُ الوقتِ، حرامٌ فرحُ البيتِ، حرامْ.../
... ... ...
إنها حكمتنا الأولى تنادينا
لتسقينا كؤوسا من رمادْ
مُزِجت بالطّحلب الأخضرِ وانسابت هلاماً في هُلامْ.
إنَّه عهدُ العشيرَهْ
طللٌ يرحَلُ فيه طللُ
أمّةٌ من ذهب يشتعلُ
تنحني خاويةَ القلب فقيرهْ
ليس فيها بعدُ ما تأتلفُ الأرواح فيهِ
سكرَ الخلقُ بألحان الجنازاتِ،
أرى الأرضَ الحريريّةَ تزهو بالمعادنْ
أيّ بيتٍ نتآوى فيه آمنْ؟
أيّ قبرٍ نتآوى فيه آمن؟
بلغَ السيلُ إلى أعناقنا
طوتِ الحربُ ثيابَ القمح في تابوتها
كم من الحزن على كاهلنا يسقطُ أسودْ؟
كم من الأغصان في أنهار موتانا سينمو؟
أي غيم سوف يكسو شجرَ الرّوح ليسمو؟
إنّه الأفق غبارٌ في رئات الحلم يغفو وينامْ...
... ... ...
ألقِ من علياء قدّوسكَ مصباحَ الشّروقْ
يا حبيبي... أنا سوّيتُ من الأوراق بيتي
وتمدّدت، فَمَنْ حجَّرَ صوتي
عندما أُحرقَ بيتي اللُّغويّْ؟
آثمٌ، والإثمُ في قلبيَ وشمٌ
يصلُ الأرضَ بوقتٍ عربيّْ
مرّةً واحدةً أسألُ: من يبكي عليّْ؟
... ... ...
فاضتِ النّيران تحت الجلدِ،
جلدي ورقُ الغابةِ والغابةُ بيتي
لم أعد أقوى على حَمْل لهيبي
وأنا أجمَعُ في بوتقةِ الحرق تلقَّاني حبيبي
فنشرتُ العطر من حُجْرةِ موتي
بين أعضائِه إذْ نوَّرتِ الأعضاءُ وقتي
فليرَ الآن انحناءَ القلب عند المقصلهْ
ولْيُعدْ هيكليَ المقفرَ من أزهاره
وليُذِعْ فيَّ شموسَ الحقّ، وليغسلْ رفات السّنبلهْ
... ... ...
هذه السّيرة كم تطفو عليها اللّعناتْ؟
فتضلّ الكلمات البيضُ عن نجمتها
أيّها الرّاسخُ في علم سقوط الكائناتْ
أنت سمّيتَ عبيدَ الأرض ترتيلاً،
وأبرقتَ بهم في لحظة مكتهلَهْ
مؤمناً يقرأ سِفر المؤمنَهْ
خلف أسوارِ الصّلاةْ
عانقوا سيفَ الحنينْ
لا تَدَعْهُم مرةً أخرى، فهذي: خشَبٌ أرواحُهم،
والحلمُ فيهم صحُفٌ من حجرٍ تنسخُهُمْ
هل أنتَ فيهم قمرٌ يكتبُ ميلاداً ويُمْلي عاشقينْ؟
باركِ الآن ضحاياهم، وأذّنْ في جموع الميّتينْ.
... ... ...
عندما تندلعُ الفكرةُ بالضّدَّين
من يجبل طينَ الكائن المشطور فيّْ؟
ثم من يقتسم الكنزَ الخفيّْ
في مفازات عهودي اليابسَهْ؟
أيّ دفقٍ يجرفُ الأمواتَ في ذاكرتي؟
أيّ بعثٍ يحضنُ الميلادَ، والرّؤيا عجوزٌ يائسَهْ؟
راودَتها لغتي
هل أطلتُ الرّكعة الأولى بمحراب الجنونْ
وقرأتُ
(( نون، والعشَاقِ إذْ ينقسمونْ))
أم رفعتُ
آيةَ الكرسيّ إذ يجلسُ فيها العارفونْ؟
يا حبيبَ الحبِّ، يا تمثالنا الضَّوئيَّ،
يا إيقاعنا السّريَّ، يا موروثنا اليوميَّ...
في عينيك خّبئنا بياضاً وسواداً
مثلما يختبىءُ الأطفال من برد الكهولَهْ
تحت أهداب أبيهم
فينادى جمرةَ الدَّمع: خذيهمْ
يا حبيبي، لا تغادرنا بحقِّ الحب وَرَّثناهُ أشجارَ الفضاءْ
لا تغادرنا، ودَعنا بين عينيكَ لنَسَّاقَطَ أحلاماً ورؤيا
أنتَ مرعى غنمِ القلب الّذي يشرُدُ عنّا
وضروع الغيم في كفّيكَ تنسابُ على
هاجعة الصَّحراء...
أصغِ الآن للحشد المغنيّ
تاه في غيبوبةِ الوقت، فمَنْ يسرى به في
رحلة الإنشاد والزَّادُ قليلْ؟
وطريقُ الرّوح بالوحشة مغمورٌ وموفورُ العويلْ.
... ... ...
آه من نكبتنا يا سيّدي
عندما عُدنا من الحرب اختلفنا حول دَفْن الشّهداءْ
ونسينا جهةَ الشّرق عراءْ
إذ رمى فينا إلهُ الحرب إشعاعاً من السِّحر
وغطّانا بغيمٍ من دخانٍ شلَّ أعضاءَ الرّماةْ
فتنادَيْنا، ولكن نهود الرّاقصاتْ
غشيتْ أبصارنا والمبصراتْ
ورجعنا عرباً يقرأ مولاهم (كتابَ الباهِ)
أو يكتبُ اسمَ اللّه في جبهته،
علّ بحيرات الجنودْ
تمنح السيّد أعشابَ الخلودْ...
آه من نكبتنا يا سيدي
هذه الأرض لنا، من أخَذَ الأرض فتاةً
فخذاها امتصَّتا رائحةَ البُنّ وماءَ البرتقالْ
كسَرَتْ سور الخيالْ
قشَرِ الطاغوتُ نهديها ففاضَتْ مدنُ اليتم حليباً دموياً
فقأ الطّاغوتُ عينيها، وسالَ الحزن حبّاً عربياً...
آه من نكبتنا يا سيّدي
هل تراهم؟ علَّقوا حكْمة مولاهم على سور المدينهْ
رقصوا تحت القبابْ
وتنادَوا حولَ تأويل التَّراتيل:
فهذي آيةٌ من أجل إخراجِ الشَّياطينِ،
وأخرى لاحتفالات السّلاطين...
وفقرُ الرّوح، هل تنزلُ فيهِ آيةٌ؟...
/إنَّما موعدكم في الحشر، تُسْقونَ من الكوثرِ
أسرارَ البدايات الجديدهْ
فوقكم طائركم يرفع رايَهْ
ويسمّيكم شهوداً للفراديس الشَّهيدهْ/
... ... ...
آه من نكبتنا يا سيّدي
قل لهذا القلبِ، إذْ يثقبُهُ سهم الخواءْ:
أمّة تنهضُ أم تسقطُ فينا يا نبيَّ الأنبياءْ؟