إلى شرفة جسد بعيد - علاء الدين عبد المولى

ارفعْ ستائركَ الشَّفيفةَ يا جسَدْ.
طلعَ النَّهارُ، وما تزالْ
عيناك جوهرتَيْن تغتسلان في نبْع الظِّلالْ.
أدِرِ البنفسجَ نحو صدركَ،
واقتربْ من ياسمينِ الصُّبحِ، والعطرِ الحلالْ
واسفحْ على فخذيكَ موجة فضّةٍ
أغرَقْ، ويغمرني الزَّبَدْ.
ارفعْ ستائركَ الشَّفيفةَ يا جسَدْ...
في كل مَشْرق خطوةٍ خضراء
تسقطُ زهرةٌ من شرفتكْ
فاسمَحْ بأن تُلْقي عليَّ تحيّةً
زرقاءَ تُوصلني لمشهد زهرتِكْ.
قلبي تسلَّقَ فجوةً في الرِّيح تأخذُني إلى قدميكَ،
أمسكُ بالأصابعِ...
طرْ بأحزاني وأوغِلْ.
"أستطيعُ عليكَ صبراً"،
كيف لا وأنا توهُّجُ شمسكَ الذَّهبيَّةِ؟
طِرْ بي إلى عتباتكَ العسليَّةِ
وارقُصْ،
فهذا الرَّقصُ
قدسيٌّ لمَنْ قد كانَ مثلُكْ.
أنا ما رأيتُ الجنس قبلَكْ،
يمشي على ساقين في طرق الصَّباح الياسمينيَّهْ
سبحان شرفتك البعيدة، يا جسدْ
تنأى وتنأى في المدارات الخريفيَّهْ
وأنا دمٌ يقتاتُ شعلتَهُ الجحيميَّهْ
ويغيبُ في حزنٍ تطاولَ كالأبدْ.
خُذْ مَجْدَ هذا العالَم السّحريِّ،
أنبئْني عن الأعراس كيف تكاثرتْ
في أمسيات جنونها الأشواكُ،
كيف تحجَّر الإيقاع في ليل النُّهوِد،
وباعت الأرحامُ لغزَ نطافهنَّ الخالقاتِ،
هي البرودةُ لوَّنتْ أعلامَها في أفْقنا الروحيِّ،
فانكسرتْ قواريرُ الجسَدْ
رفقاً بها يا عاشق النَّاي الحزينْ
رفقاً بنهدَيها إذا انسكبَ الحنينْ
وارفعهما بيديكَ، وادْنُ بجمرةِ الشَّفتينِ
واغرَقْ في الأنينْ.
خذْ مجدَ هذا العالم السِّحريِّ،
اكشفْ عن فجيعته الدَّفينةِ،
حقلِه المنهوبِ، رقصتِه الأخيرَهْ
بعثْر على الأُسرِ الصَّغيرَةْ
خبزَ المودَّة من كُوى الصَّمت الفقيرَهْ
واقرأ لها من سورة الآثامِ،
"الشّعراءُ يتبعُهُمْ غواةُ الأرضِ
في وادي البصيرَهْ".
فتقدَّموا يا آل عشَّاق الحياةِ،
نمدّ أعناقاً إلى أعلى سياجٍ
خلفَهُ بستانُ أجسادٍ تهاوَتْ باردَهْ
هيا نشعّ بسحرنا في غيهب البستانِ،
نغسلُ أرجلَ الأشجارِ بالماء المقدَّسِ،
نُرْجعُ الرؤيا لأرضٍ بائدهْ.
ارفع ستائرك الشَّفيفةَ يا جسدْ
سبحان شرفتك البعيدة يا جسَدْ
________
29/9/1991