رؤيا لامرئ القيس - علاء الدين عبد المولى

قبل أن ينفضَ القلبُ عن نبضه غبشَ الفجرِ،
أستقرئُ القادم المدلهمُّ
وخطى الريح مثقلةٌ بالنّعاس،
ومنديلُ وجه الصّباح يطّرزه حلمٌ
إذ أرى جسدَ الأرض مبتهجاً،
زهرةَ الرّوح مشرعةً لحفيف هواء تدفّقَ
فانسكبتْ في الرِّئات أواني العبيرْ
قابَ قوسين من جهة القلبِ هذا السَّوادُ الخفيُّ
سماءُ الحناجر مفتوحةٌ لهتافي
وكان هتافي السَّلام الأخيرْ...
(ودِّعيني عذارى السّهولْ
ودّعيني غزالة شعري
...
ودعيني، فظلُّ العتاب يطولْ
ويطولُ به ظلُّ قَهْرى).
...
بالّرؤى أتقدَّمُ...
مخصبةٌ شفتي قُبلاتٍ لمَنْ يُشتْهى وَردُها.
بالّرؤى، والّرؤى فاضحهْ
هذه امرأةٌ من عشيرةِ بستانها الجاهليِّ
علِقْتُ بحاشيةِ النّور في
كُمِّها الشَّهويِّ
أضأتُ على بطنها شاعراً عاكفاً في رحاب الضَّلال،
وكنتُ أحاول ملكاً، وما كان لي صاحبٌ،
فبكيت وحيداً...
سيقطع غصني أميرُ القبيلة
يُفتي إمامُ الكواكب أنيِّ أسأتُ إلى نجمة القطبِ،
فلتنطفئ شهوتي
وليفتَّتْ رغيفُ الغناء إلى ألف أغنيةٍ جارحَهْ.
تلك "فاطمةٌ" غيَّبوها عن الهودج المتمايلِ
في أفق العطرِ...
مهلاً على رغبتي "فاطَمَة"
طللٌ ذاك أم منزلُ؟
مولدٌ ذاك أم مقتلُ؟
وأنا رائحٌ في الغياب المؤجَّلِ، أم مُقْبِلُ؟
آه يا "فاطمةْ"
في صباح النّبوّةِ لُوِّثتِ بالحكمة الظَّالمةْ
وغسلتِ ثيابك من وشم أنفاسيَ الوثنيّةِ
هل تهدمين بروجَ دمي؟
ارتفَعَتْ بالصَّلاة عليكِ
هل تطوفين حول مآذن أمِّ القُرى
وتبيعين جَمْع خيولي التي لا تُباع ولا تُشْترى
مَنْ سباكِ بفتنتِه، فهجرت منازلنا القمريّةَ؟
تنسين حين العذارى تجمَّعْنَ في بِركةٍ
وسرقتُ قميصكِ، فانسدلَ الشَّعر يسترُ
ردفيكِ.... أينَ ستخفين هذا العراءْ
وأنا ملك الشّعراءْ
آه يا "فاطمةْ"
ضاع فردُوسنا وتفرَّق هذا الفضاءْ
وهوت شمسُنا
إنما نحن -أهلَ القصائد- كيف سيهوي بنا حسُّنا؟؟؟
يا "امرأ القيس" شهوتنا عبءُ هذا الزَّمانِ
وجمجمةُ اللَّيل ضيَّعت الجهةَ الرّابعهْ
الصَّحارى بروجٌ مشيَّدةٌ للرّعاة الحفاةْ
السّلام عليكَ وأنت تشير إلى طلَلِ الأمّة الرَّاكعةْ
هوذا "قيصرٌ" علّقَ الأفْقَ من رجله
والسّرابُ هويَّتنا الضائعَهْ
سالُ ماءُ البحار على جرحنا، ما التَأَمْ
منذُ علّقتَ فوق الجدار المقدَّس أنشودةَ الجسدِ
المتفتِّق عن لوزه وحشائشه وبراعمِهِ
لم يجئْ خبرٌ عن عذارى القوافلِ،
والخِدرُ من معدنٍ لا يضمّ عظامَ "عُنَيْزَةَ"
شكراً لكارثةٍ نصبتْ في الميادين تمثالَها
بعد أن ركعَ القلبُ في حضرة الغيمة المسكَرهْ
يا "امرأ القيس" إنّي حفظتُ رعود الوعود،
فلا "فاطمٌ" أمطَرتْ في الضّلوع
ولا اللَّيل يرفع عنَّا السُّدولَ،
وفي كوّةِ الوقتِ ما زالت النَّجمة الحجريَّةُ
تضبطُ إيقاعَ رحلتنا...
واققون هنا، واقفون هنا، واقفونْ
والقصائد فينا، الكوارثُ فينا، الجنونْ
أيّها اللَّيلُ
من حجرٍ صارت الظُّلمة العربيَّةُ
من حجرٍ وُلدَ الشَّاعر المتثاقلُ
في حجرٍ مدَّ ميراثُنا ظلَّه
وحدَهُ، شكلُ طاغوتنا، يتحوَّلُ
كيف يشدّ المغنّي على جمرةٍ من يقينٍ،
وفي روحه تكبرُ المقبرَةْ؟؟؟
...
قبل أن ينفُضَ القلبُ عن نبضهِ
غبشَ الفَجْر فاجأني ملكُ الشِّعر والجسدِ البدويّ
فقبَّلتُه واختفيتُ وراء عباءتِهِ
صحتُ في ملكوتِ الخواءْ:
حُلَّ في بدني
في سديم التّأمُّل نستقرئ القادمَ المدلهمّْ
في كتابِ الدَّم المنقسِمْ.
_________
20/7/1992