دمي يجري في وادي النضارة - علاء الدين عبد المولى

لم أقل للرّيح أن تخلَعَ ثوب الحبِّ عنا‏
لم أقل للرّيح/ لكنَّا انكسرنا‏
مثل تفّاح هوى من شجرٍ كنَّا زرعنا‏
أسأل الآن يداً تجمَعُ ألواحاً من الفخَّارِ:‏
كيف ارتطمَ القلبان، وانسابَتْ أغانٍ جارحَةْ؟‏
كيف أغلقْنا، ولو سهواً، كتابَ الشَّمع في ظلمتنا؟‏
كيف استطاع الجسدُ العاشقُ أن يمنحَ للصَّمت مزاياه،‏
وأن يُمْلي على مرآتيَ الثَّكلى وصاياهُ،‏
لمنْ أنسج ليلَ الدّمع بالشِّعر إذاً؟‏
مرّتْ عليَّ الطّيرُ، كم حمَّلتُها بيدرَ أحلامٍ‏
إلى قريةِ أعماقكِ؟‏
كم شقّتْ بروقٌ صخرَ صدري‏
وأنا أفتتح الرّمزَ،‏
وأستمتعُ بالصّوتِ الَّذي يأخذُ وَقْعَ النَّهدِ،‏
أو قيثار عطرِ؟‏
كم نشيدٍ صغتُ من أقدامكِ البيضاء؟‏
كم رشفةِ أفعى ذقتُ حتّى بلغتْ كفّايَ‏
تفّاحةَ صدركْ؟‏
هل عليَّ الآن أن أشرحَ ميثاق المدى الصَّاعدِ‏
في ذاكرتي؟‏
وأقود اللّغة الأولى إلى مرعى خيالاتكِ،‏
حتّى تؤمني أنّي بديعُ اللّغةِ؟‏
ليس من أرض المجازْ‏
هذه القصَّةُ/ فالدَّمعُ تداعى امرأةً‏
فوق رصيفٍ من رحيلْ‏
اذهبي/ لا تذهبي‏
ودِّعيني، واهدمي ما رفعَ الشّاعرُ من أبراج ماء سلسبيلْ‏
ازرعيني برعماً‏
في إناءٍ مستحيلْ‏
اذهبي/ لا تذهبي‏
صادقٌ هذا الفراغ المُرُّ،‏
إذْ يلتفّ حولي حبلُ صبّارٍ،‏
غريبٌ قلَقُ الحبِّ فلا تنتحبي‏
وارجعي نُجْلِسْ على طاولة الغيم أصابيعَ شجارٍ‏
قُطِعَتْ مِن شجرةٍ أوراقُها من لهب...‏
اتركي الفرصة للشّاعر أن يحكمَ لحْظاتٍ‏
شعوباً من كآباتٍ نَمَتْ في صدره‏
حاولي أن تجمعي منفى خلاياه،‏
وأوراقَ خريفٍ أجهشتْ في شعره‏
أنت إسراءٌ وإغراءٌ‏
ومعراجٌ إلى اللّذَّة‏
أفواجٌ من الرَّأفةِ‏
أضواءُ على نهرِ دمي‏
واحدةٌ أكثر من جَمْعٍ‏
فتاةٌ وحياةٌ‏
وحضورٌ في غياب اللّيل‏
في أحصنةِ الفجر تقودُ الكونَ نحو العملِ‏
المائيِّ والبرّيِّ في حقلِ اختلاطِ الكائناتْ‏
أنتِ من أفرجتِ عن شِعريَ من زنزانة الدّمِّ‏
إلى شمس يديها‏
لأزفّ الأرضَ في عرس الحياةْ‏
لا تعيدي عرباتِ الحبِّ نحو الغسقِ الأوَّلِ‏
لا تبتردي بالماءِ إن كانت يدي تنضحُ ناراً‏
لا تردّي حبرَ أفراحي إلى سجن الدّواةْ‏
هدهدي مهدي لأهديك من الأهدابِ أزهارَ هدوئي‏
عندما وجّهتُ محرابي إلى قبلةِ نهديك،‏
ألم تنتبهي أنّي على شرفةِ بركانٍ أصلّي؟‏
إنّه قلبي الّذي يلتقطُ الأنجمَ من معبدها الفضّيِّ،‏
يصغي لخطى لم تبتدئْ بعدُ،‏
وشِعرٍ لم يُقَلْ بعدُ،‏
وحربٍ لم تَقُمْ بعدُ،‏
وسلمٍ لم يَدُمْ بعدُ،‏
وأرضٍ من زهورٍ وترابٍ من حرير‏
إنّه قلبي على رمح النّبوّات ارتفعْ‏
لعنةُ الحَدْس على شريانه تنصُبُ أقواساً،‏
هو الرَّائعُ في تفتيحِهِ الكلّيِّ،‏
والضّائعُ في أرجوحةٍ من جدلِ الأوهامِ‏
تعلو في ضبابٍ وغموضٍ‏
هو قلبي لكِ فيه دارُ نحلٍ من حنينْ‏
إبرٌ تلسع ياقوتَ ضلوعي‏
لتسيل الشّهوةُ الحمراء ينبوعَ أنينْ‏
عندما كلَّ مساءٍ أفتَحُ الذّكرى على وادي النَّضارهْ‏
فأرى في آخر الوادي دمي يجري غزالاً‏
صاده سَهْمٌ ْ‏
أرى بين جفوني اشتعلتْ نارُ جنوني‏
مزجت عطرَ حلالٍ بحرامْ...‏
لم أقل للحزن خذني من يدِ الحُبِّ،‏
فما أَلْطَفَ هذا الضَّوء في عينيك،‏
ما أبرأَ زَهْرَ الصَّمت في غصنكِ، لكنْ.../‏
أيّ تأويل لهذا القمر المكسورِ‏
في قبّةِ أهدابي وقلبِكْ؟‏
بعد أن أرضَعَنا من فضّةِ الأحلامِ؟‏
ما أكثَفَ هذا الحزنَ في دربي ودربكْ‏
فاكشفي عن خطوةٍ أخرى لحبيِّ‏
أنكشفْ عن جنَّةٍ أخرى لحبِّكْ...‏
لا تغيبي أمس عن يومٍ سيأتي‏
وأنا أضبطُ أصواتَ الرّياحْ‏
حسبَ ميقاتِ ظهورِكْ‏
ونضوجَ الخمرِ في أبهاءِ أحلامي على شلاَّل نورِكْ‏
أنا مازلتُ على صدركِ،‏
أستذوقُ طَعْمَ الخَلْق والرّعشة‏
إذ أعتصرُ العنقودَ في إبريقكِ الشّفَّافِ،‏
أمحو ظلماتي‏
مُثْبِتاً إيقاعَ ذاتي‏
بحضورِكْ...‏
___________
27/تشرين الثاني/ 1995‏