من فتوح الفرح - علاء الدين عبد المولى

عادت الشّمسُ إلى شرفة إيقاعي‏
نهارُ الشّعر أحوالٌ من الضَّوءِ‏
وَنَولٌ غَزَلَ النّعناعَ والذّكرى على باب حواسي‏
لعبتْ بالرَّأس أنسامُ ربيعٍ‏
وهديلٌ مخمليٌّ صبَّ في أكوابنا‏
أنهارَ فيروزٍ حنونْ‏
نحن، في غيبتنا، نجمان دارت بهما الرّيحُ‏
أنارت بهما معصيةُ الشّوقِ دروبَ الغابةِ العذراء‏
تحمينا من اللَّيلِ...‏
ألا تلمسُ كفَّاكِ على البُعْدِ مرايا رغبتي في أن‏
أهزَّ الأرض كي تغمرني أقوالُها الزُّهرُ؟‏
أنا فوق روابي الأرض طيفٌ آدميٌّ‏
بعثرتْ طاحونةُ الخوف بريقيْ‏
لتعيدي سَفَرَ الأعماقِ نحو الجهة الأولى‏
ليُفْضي بي مساري نحو قلبٍ أنتِ تُحْيين عروقَهْ‏
لملمي عن شفتي‏
شمعَ شهواتٍ تذوبُ‏
أنا مسحورٌ بإشراقةِ عينيكِ ومغمورٌ بلطفِكْ‏
اهمسي في جسدي حتَّى تغطيه الذَّنوبُ‏
أنتِ ـ منذُ الخمرُ في صوتكِ سالَتْ ـ‏
وأنا ما هدأتْ فيَّ جحيمُ الظَّمأِ‏
كلَّما أنهيتِ عرياً في مقامي،‏
من جديدٍ ابدئي‏
يا فتوحَ الفرحِ الأكبر‏
يا تكبيرةَ الفجرِ‏
وغيماً مدَّني بالقّوةِ الأولى على زرعِ الأناشيدِ‏
بحقلٍ لم تَطَأْهُ قدمُ الإيقاعِ بعدُ...‏
هل عليَّ الآن أن أضبطَ إيقاعي‏
على رقصةِ نهديكِ البدائيَّيْنِ؟‏
عصفورين في أرجوحةٍ حمراءَ‏
يجتاحانِ أشجاري الدَّفينَهْ...‏
كان هذا موعداً في ركن نارٍ‏
ينسج الوجهان فيه قُبلاً من فستقٍ‏
يُنْقَلُ مابينَ لسانٍ ولسانِ‏
كان هذا بابنا المُودى إلى أرض الحنانِ‏
كم مشى العشاق فيها قبلنا؟‏
غير أنَّا‏
الوحيدانِ اللَّذانِ‏
هبطتْ من بين أقدامهما الأمطارُ سرّاً‏
بينما كنّا على فوهة البركانِ‏
بركاناً يعاني...‏
... ... ...‏
أحشدُ الآنَ طيورَ الحبِّ في عينيَّ‏
يا غاليتي... فارغةٌ كفّاي منذُ الأمسِ منكِ‏
كيف أخطو خلفَ ظلِّي‏
لأرى الأرض ـ بلا عينيكِ ـ قشّاً يابساً‏
أجريتُ فيه النّار حتّى لمعتْ فيها مراياكِ...‏
هي الأشياءُ في ذاكرتي تنبتُ كالمسمارِ‏
والحنجرةُ القَفْراء ملحُ‏
غلّفَتْكِ القريةُ الخضراءُ في شمس أغانيها،‏
أما أبصرتِ في الشّمسِ يداً شِعْريّةً تغفو لتصحو‏
ثمّ تدنو منكِ بالفجرِ، وفي القهوة تغلي،‏
ومع الأطفالِ تجري؟‏
واحدٌ منهم أنا، فلتمسحي عن وجهه النّومَ،‏
اغسلي أطرافه بالنّغَمِ الأزرقِ‏
ضُمّيهَ عميقاً واحملي عنه لكيْ يحملَ عنكِ‏
أَخْبريهِ عن خلايا بطنِكِ الغضَّةِ‏
عن دورةِ أحلامكِ‏
عن زهرةِ آلامكِ‏
هل مازال في صدركِ رصدُ الخَلْقِ‏
مختوماً بياقوتٍ حليبيٍّ؟‏
وفي فخذيكِ عشٌّ البلبل المُنْتَظِر القمحَ‏
ويخشى دَمَ صيّاد الجنونْ؟‏
... ... ...‏
اسمُكِ السّرِّيُّ في مهد دمي يَعْرى‏
رغيفاً ناضجاً في نار تنّور الهيامْ‏
أحرفٌ تمشي على ساقين تنسابان حتّى‏
تبلغا خصراً يغطّيه نعاسٌ مختَصَرْ...‏
هل لنا أن نعجَنَ الأحلامَ حَلْوَى فجرِ عيدٍ‏
غسلَ الأطفالُ فيه معبَدَ الرَّبَّةِ بالعطرِ؟... إذاً/‏
لنطرْ في عسلِ الإغفاءِ، نحلاً أزَّتِ الشَّهوةُ فيه‏
لنشيِّدْ جنّةً مفقودةً، وليمتلئْ من نسلِنا برجُ الحمامْ‏
... ... ...‏
... ... ...‏
هذه الغيبةُ طالَتْ‏
كوكبي مالَ، ومالتْ بي جهاتي‏
بعد أن غادرتُ ميعادكِ‏
أستحضرُ عينيكِ على وهجِ بخورِ الكلماتِ‏
وجهكِ الطّيّبُ يدنو‏
فمكِ اللّوزيُّ مضمومٌ على خمّارةٍ أسرقُ من أعتابها‏
نارَ حياتي‏
قوسُ عينيكِ أنا‏
حاجبُكِ المرسوم‏
حَبُّ البنِّ فوق الخدّ‏
تفتيحةُ نهديكِ‏
أنا الفجوةُ ما بينهما‏
وأنا شرحُ معانيكِ‏
أنا شاعركِ الضَّالعُ في معجزةِ الحبِّ وحُبِّ‏
المعجزاتِ‏
ذوِّبي عنقوديَ النَّاريَّ في كفِّكِ،‏
ولتنهمرِ الأقمارُ من جسميَ،‏
ولأكملْ صلاتي‏
أنتِ كم تمشين في غيمة أعصابي، تشقّين رياحي‏
موكباً من آلهاتٍ فيه فينوس وعشتار وأفروديتُ‏
فيه الزَّبَدُ الأبيضُ تطفو فوقهُ مركبةٌ من عاشقاتِ‏
أنتِ يا كوناً تجلَّى،‏
فارتوتْ من نورهِ الأسمى عروقُ الكائناتِ‏
مهرجان الشّعرِ أنتِ‏
والخيالُ الحرُّ أنتِ‏
أنتِ جمهور العصافير صباحاً‏
أنت راياتٌ من الخمر مساءً‏
وظهوراتٌ على تلَّة وحيٍ‏
فاهبطي كيف أردتِ‏
_____________
13 / أيار/ 1995‏